الأوقاف وتنوع مصادر التمويل

 الأوقاف تعد واحدا من المخرجات التي اهتمت بها رؤية السعودية 2030، التي تسعى من خلالها إلى زيادة مساهمته في الناتج المحلي من 1 % إلى 5 %. وفي الأيام الماضية تداولت المنصات الإعلامية ومنها صحيفة "الاقتصادية" موضوع إنشاء بنك للأوقاف، حيث إن هناك مباحثات في هذا الشأن، ولا شك أن هذا خطوة إيجابية في مسيرة نمو واستدامة المشاريع الوقفية، إذ إن هذه المشاريع وإن كانت في الأساس ممولة من صاحب الوقف إلا أنها قد تفتقر في مرحلة من المراحل إلى التمويل لاستدامة أنشطتها أو سيؤثر ذلك في نشاطها بصورة عامة، فوجود جهات متخصصة للتمويل لسد هذه الحاجة قد يكون أمرا مهما لاستدامة عمل كثير من الأنشطة الوقفية.
مصادر التمويل للأوقاف تكون في بداياتها من صاحب الوقف، وذلك من خلال حبس أصل للاستفادة منه مع بقائه، وذلك مثل مزرعة تتم الاستفادة منها من خلال ثمارها مع بقاء الأصل لا يتغير، أو عقار يؤجر ويستفاد من عوائده وغير ذلك. وقد يكون هذا المفهوم العام للوقف وبالتالي فإنه بهذا الشكل البسيط قد لا يكون بحاجة كبيرة إلى التمويل على المدى القصير، لكن بالتأكيد إن استدامة هذه المشاريع تتطلب موارد مالية لاستمرار أدائها باعتبار أن أي أصل معرض للتهالك أو التلف وبالتالي يحتاج إلى مورد مالي لمعالجة ذلك.
في الفترة الحالية نشهد أنواعا متعددة من الأوقاف التي لا تقتصر على أنشطة محددة، وذلك في مثل التعليم والعلاج والطرق وخدمات زوار بيت الله الحرام وأنشطة مجتمعية متعددة في كل نوع من هذه الأنواع، فعلى سبيل المثال في العلاج هناك أنواع متعددة من العلاج مثل أمراض السرطان وغسيل الكلى والعمليات الجراحية بمختلف أنواعها والأدوية وغيرها، وهذه الخدمات بلا شك تحتاج إلى موارد كبيرة لتغطية تكاليفها ويمكن أن يكون ذلك من مصادر متعددة بما في ذلك الوقف الذي أصبح التوسع فيه كبيرا بصورة عامة في السعودية.
مصادر التمويل للأوقاف يمكن أن تكون من خلال التبرع المباشر أو من خلال استثمار الموارد في صناديق استثمارية متخصصة، لكن هذا لا يكفي لتلبية احتياج التمويل مجموعة من الأوقاف الضخمة أو على الأقل وجود تنوع في مصادر التمويل سيكون له أثر أكثر فاعلية في الاستدامة للمشاريع الوقفية، ولذلك فإن وجود بنوك للأوقاف سيزيد من تنوع مصادر التمويل.
إشكالية الأوقاف أنها جهة اعتبارية وليس تعاملا مع فرد، والأمر الآخر أنه لا يمكن رهن أصول للوقف بما يؤدي إلى بيعها في حال وجود تعثر، ما يتطلب أن يكون التعامل معها مختلفا مقارنة بالتعامل مع الأفراد والشركات فيما يتعلق بالتمويل، بحيث أن يكون هناك نوع مختلف من الضمانات في حال الحصول على التمويل، ومن هنا تأتي الحاجة إلى أن تكون هناك أنواع أخرى من الضمانات يمكن أن تيسر مسألة حصول مجموعة من المشاريع الوقفية على التمويل، ولذلك فإن شكل البنوك الوقفية وبعض خصائصها قد تكون مختلفة نسبيا، وهذا ما يجعل وجود بنوك وقفية متخصصة أمرا له فائدة في تنمية هذا القطاع، ويمكن أن تكون هذه البنوك في الأصل أوقافا هدفها تمويل المشاريع الوقفية وتحقيق عوائد ولو كانت محدودة، بهدف استمرار أعمالها.
فالخلاصة، البنوك الوقفية قد تكون من الخيارات الجيدة في تنويع مصادر التمويل للمشاريع الوقفية بما يحقق لها النمو والاستدامة، كما أنها تعزز من مساهمة الأوقاف في الناتج المحلي لتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 الخاصة بالوقف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي