أبنية حب الحياة

نسعى دوما أفرادا وحكومات لتحسين جودة الحياة والتصالح مع محيطنا وبيئتنا، خاصة مع قلة تواصلنا مع الطبيعة بسبب طبيعة الحياة وسيطرت الأجهزة بعالمها الافتراضي على حياتنا، وما تسببه الأبنية الحديثة من أضرار بالبيئة حيث تستهلك المباني بتصاميمها السائدة حاليا، نحو 34 في المائة من إجمالي استهلاك العالم من الطاقة، وتسهم في نحو 37 في المائة من إجمالي انبعاثات الكربون حسب ما ورد في تقرير الأمم المتحدة 2022. هذه النسبة تشكل خطرا كبيرا على البيئة وصحة البشر وجودة الحياة ومستقبل الأرض!
وبما أن الإنسان المعاصر يقضي معظم وقته في منزله خصوصا في البيئات الحارة والصحراوية، لذا سعى العلماء والمبتكرين المعماريين إلى إيجاد حلول وخرجت إلى السطح فكرة "العمارة البيوفيليه" أو أبنية حب الحياة، والتي تتكون من مقطعين "بيوفيليا" مستمدة من اللغة اليونانية القديمة فـ"بيو" تعني الحياة و"فيليا" تعني الحب والألفة، ومبتكر هذا المصطلح عالم النفس إيريك فرم في أوائل القرن الـ19، وفيه جمع بين البشر والطبيعة، ثم أعاد ذكره عالم الأحياء الأمريكي إدوارد ويلسون في كتابه "نظرية حب الحياة"، وقال إن البشر مهيأون بيولوجيا للميل للطبيعة والاتصال بها وأنظمتها، لذا اتجه العلماء للربط بين البشر والطبيعة داخل الأبنية وهو التصميم الذي يوفر حاجات الإنسان الفطرية والحيوية، ويعتمد على دمج الطبيعة وعناصرها في البناء الداخلي والخارجي على حد سواء، وإيجاد صلة دائمة بين أي عمل معماري والطبيعة، إنه الاتحاد الأخضر.
أصل هذه الفكرة قديم سبقنا إليه البابليون حين بنوا حدائق بابل المعلقة التي كانت من عجائب الدنيا، وانبهر المعماريون في العصور الإسلامية بهذا الفن وتأثروا به في عمارتهم، فكل عناصره مستمدة من البيئة كالماء والضوء والنباتات، كما استخدموا الأخشاب والأحجار في التشييد وحتى الألوان مستمدة من الطبيعة، ما نقل البيئة الخارجية إلى داخل المباني بضوئها الصحي وألوانها المريحة وهوائها النقي.
بينت الدراسات فوائد عمارة حب الحياة وانعكاس ذلك على صحة البشر، فالمساحات الخضراء تمتص السموم وتحسن الهواء، ما يقلل من أمراض الجهاز التنفسي والحساسية، والضوء الطبيعي يساعد على تنظيم دورات النوم، ما يقلل التوتر والضغط، فمن صح نومه زان يومه، كما وجدوا تأثيره في الذاكرة والإبداع وصفاء الذهن والقدرة على التعلم إذا استخدم في بناء المدارس، وإذا استخدم في المستشفيات ساعد بشكل كبير على الإسراع في عملية الشفاء ومنح المرضى الهدوء والسكينة والأمل في الحياة، سواء كانوا مرضى الأبدان أو المصابين بالأمراض النفسية!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي