النظام المالي وضغوط التضخم وأسعار الفائدة «2 من 2»

وبشأن تصاعد التهديدات فقد سجلت أسهم البنوك تراجعا أخيرا نتيجة الصعوبات التي يواجهها القطاع، ما أسفر عن ارتفاع تكلفة التمويل في البنوك، الذي يرجح أن يؤدي إلى انخفاض مستويات الإقراض. وفي الوقت نفسه، لم يتم تشديد الأوضاع المالية الكلية على نحو ملموس، حيث لا تزال أقل تشددا مقارنة بتشرين الأول (أكتوبر)، وهو أمر قد يثير الدهشة. وتظل تقييمات الأسهم مفرطة، ولا سيما في الولايات المتحدة. وكان لتراجع أسعار الفائدة أثر محايد كبير في الارتفاع الطفيف في فروق العائد على سندات الشركات.
لذلك يوضح تسعير المستثمرين سيناريو متفائلا إلى حد ما، حيث يتوقعون انخفاض التضخم دون زيادة أسعار الفائدة مجددا. وتزداد احتمالات الركود من وجهة نظر المشاركين في السوق، لكنه ركود معتدل حسب توقعاتهم.
غير أن هذه النظرة المتفائلة قد تصطدم بتسارع معدلات التضخم مجددا، ما قد يدفع المستثمرين إلى إعادة النظر في تقييم مسار أسعار الفائدة، بل ربما يؤدي إلى تشديد حاد في الأوضاع المالية. وهكذا يمكن أن تتجدد الضغوط في النظام المالي، ويستمر تضاؤل الثقة -وهي أساس التمويل، وينقطع التمويل سريعا عن البنوك والمؤسسات غير المصرفية، وتنتشر المخاوف بفعل وسائل التواصل الاجتماعي ومجموعات الدردشة الخاصة. وفي ظل التباطؤ الاقتصادي، قد تتدهور مخاطر الائتمان في الشركات المالية غير المصرفيةـ وهي أحد أجزاء النظام المالي سريعة النمو. فعلى سبيل المثال، سجلت بعض الصناديق العقارية انخفاضا كبيرا في تقييمات الأصول.
وحتى الآن، لم يطل أسهم البنوك في اقتصادات الأسواق الصاعدة الكبرى سوى قليل من عدوى الاضطرابات المصرفية في الولايات المتحدة وأوروبا. فعديد من هؤلاء المقرضين أقل انكشافا لمخاطر ارتفاع أسعار الفائدة، وإن كانت الجودة الائتمانية لأصولهم أقل عموما، فضلا عن التغطية التأمينية المحدودة على الودائع لدى بعضهم. كذلك تفرض مواطن الضعف الكبيرة في هيكل الدين السيادي ضغوطا على عديد من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات الواعدة المصنفة في المراتب الائتمانية الأدنى، وبالتالي قد تنتقل التداعيات إلى قطاعاتها المصرفية.
وبشأن قياس المخاطر يشير مقياس النمو المعرض للخطر، وهو أحد مقاييس الصندوق للمخاطر المهددة للنمو الاقتصادي العالمي نتيجة عدم الاستقرار المالي، إلى أن هناك احتمالية بنسبة واحد في الـ20 لانكماش الناتج العالمي بمقدار 1.3 في المائة خلال العام المقبل. وهناك احتمالية مساوية لانكماش إجمالي الناتج المحلي بمقدار 2.8 في المائة في حال التشديد الحاد للأوضاع المالية الذي يؤدي إلى اتساع فروق العائد على سندات الشركات والجهات السيادية، وتراجع أسعار الأسهم، وانخفاض قيمة العملات في معظم الاقتصادات الصاعدة.
وحول الحديث عن السياسات الحاسمة، فعلى صناع السياسات اتخاذ إجراءات حاسمة لحماية الثقة في ظل تصاعد المخاطر المهددة للاستقرار المالي.
فينبغي معالجة الفجوات في آليات الرقابة والإشراف والتنظيم في آن واحد، وتعزيز نظم التسوية وبرامج التأمين على الودائع في عديد من الدول. وفي حالات إدارة الأزمات الحرجة، قد يتعين على البنوك المركزية زيادة الدعم التمويلي المقدم للمؤسسات المصرفية وغير المصرفية على حد سواء. ومن شأن هذه الأدوات مساعدة البنوك المركزية للحفاظ على الاستقرار المالي، والسماح للسياسة النقدية بالتركيز على تحقيق الاستقرار السعري.
وإذا ما نجمت عن إعسار القطاع المالي تداعيات حادة على الاقتصاد الأوسع، قد يلزم صناع السياسات تعديل موقف السياسة النقدية لدعم الاستقرار المالي. وفي هذه الحالة، ينبغي لهم الإعلان بوضوح عن عزمهم المستمر على خفض التضخم إلى مستوياته المستهدفة في أقرب وقت ممكن بمجرد انحسار الضغوط المالية.

المزيد من مقالات الرأي