المعجزة السعودية

تاريخ العالم يزخر بالمعجزات الاقتصادية، ابتداء من المعجزة الذهبية الهولندية في القرن الـ16، ومرورا بمعجزات ألمانيا وبلجيكا والنمور الآسيوية بعد الحرب العالمية الثانية، ووصولا إلى معجزة الصين الشعبية في النظام العالمي الجديد.
لأول مرة في تاريخها، أخذت المملكة على عاتقها مواجهة تحدياتها بعزم وحزم وإخلاص، دون المساس بالتزاماتها تجاه مواطنيها ومجتمعها، فأطلقت قبل خمسة أعوام رؤيتها المدعمة بإصدار 13 برنامجا تنفيذيا و96 هدفا استراتيجيا، تختص بآليات حوكمة أعمالها، واضعة نصب أعينها قضايا المواطن الأساسية، ومتوجة بمسيرة الإصلاح الهيكلية، ومتزامنة مع خطط تنويع مصادر الدخل الحقيقية.
إلى يومنا هذا قد لا يعلم المواطن بأن رؤيتنا الطموحة جاءت لإنقاذ اقتصادنا الريعي من عقدة النفط وتحويله إلى اقتصاد معرفي يعتمد على نعمة العقل. فالنفط الذي كان يشكل نحو 82 في المائة من عوائدنا السنوية، أدى إلى تراجع إيراداتنا، لدى انخفاض أسعاره العالمية، من 1044 مليار ريال في عام 2014 إلى 608 مليارات ريال في عام 2015، ليرتفع عجز الميزانية خمسة أضعاف خلال عام واحد، من 66 إلى 367 مليار ريال. وكان من المؤكد أن يتفاقم هذا العجز مستقبلا لتتآكل جميع مدخراتنا وتزداد قيمة ديوننا السيادية. لذا، جاءت الرؤية لزيادة إيراداتنا غير النفطية ستة أضعاف، من 163 مليار إلى تريليون ريال، ورفع حصة صادراتنا غير النفطية في ناتجنا المحلي من 16 في المائة إلى 50 في المائة على الأقل، والوصول بإسهام قطاعنا الخاص في ناتجنا الوطني من 40 في المائة إلى 65 في المائة، لتصبح المملكة في عام 2030 ضمن أكبر 15 اقتصادا في العالم بدلا من موقعها الراهن في المرتبة الـ19.
لذا، جاءت رؤيتنا الطموحة اليوم لنفخر بما حققته بعد خمسة أعوام من إطلاقها، حيث ارتفعت نسبة نمو الناتج المحلي غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي من 55 في المائة إلى 59 في المائة، وتضاعفت الإيرادات غير النفطية بنسبة زيادة وصلت إلى 222 في المائة، فيما زاد عدد المصانع 38 في المائة ليصبح لدينا 9984 مصنعا مقارنة بنحو 7206 مصانع قبل إطلاق الرؤية. وتزامنت هذه النتائج مع إطلاق مبادرات رائدة، منها: برنامج "صنع في السعودية"، وبرنامج "شريك" لتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص وزيادة وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي، وإنشاء بنك التصدير والاستيراد، وإطلاق نظام الاستثمار التعديني.
وإلى يومنا هذا قد لا يعلم المواطن أن رؤيتنا الطموحة أصرت على الاستمرار في تحقيق التنمية البشرية وتوليد وظائفنا الوطنية، لتخفيض معدلات البطالة من 11.6 في المائة إلى 7 في المائة. ولتحقيق هذه المعدلات كان لا بد من زيادة نسبة المحتوى المحلي لحجم مشترياتنا الخارجية، التي وصلت إلى 937 مليار ريال في عام 2015، وتشمل القطاعات العسكرية والنقل وتقنية المعلومات، لتتخذ المملكة قرارا حاسما بتصنيع 50 في المائة من هذه المشتريات محليا، ولننجح في توليد الوظائف وتوطينها ونقل التقنية وزيادة صادراتنا غير النفطية.
واليوم تكتسب المملكة بجدارة احترام العالم وإعجاب المنظمات الدولية، لأنها سبقت أهداف رؤيتها، وبالتالي تحققت المعجزة السعودية نتيجة تقدم المملكة في عام 2020 على 100 مؤشر عالمي، من أهمها تحقيقها المركز الأول في الإصلاحات الاقتصادية، والمرتبة الأسرع نموا في قطاع السياحة، والمركز الأول في التنافسية الرقمية، والمرتبة السادسة ضمن مجموعة العشرين في المؤشر العالمي للأمن السيبراني والتوسع في تغطية شبكة الألياف الضوئية، والمرتبة الأولى في سرعة الإنترنت على الجيل الخامس، والمرتبة 24 في التنافسية العالمية، والمرتبة 12 في مؤشر توفر رأس المال الجريء، والمركز الثالث في مؤشر حماية أقلية المستثمرين. وجاءت هذه المراتب متزامنة مع ارتفاع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل بحدود 33.2 في المائة، وزيادة نسبة إسكان المواطنين إلى 60 في المائة، وتتضاعف قيمة الاستثمارات الأجنبية في السوق السعودية 331 في المائة، ونمو أصول صندوق الاستثمارات العامة ثلاثة أضعاف إلى نحو 1.5 تريليون ريال.
واليوم يفتخر كل مواطن بأن رؤيتنا الطموحة حققت المعجزة السعودية بعد نجاحها في مواجهة تحدياتنا بحنكة مهنية وتذليل صعابنا بكفاءة واحترافية، لتنفرد إنجازاتها النوعية بين دول المعمورة في عصر محفوف بمخاطر تراجع أسعار النفط وعهد مخطوف بآثار التباطؤ الاقتصادي العالمي نتيجة انتشار فيروس كورونا.

المزيد من مقالات الرأي