Author

أمن الطاقة اقتصاديا .. سوق حرة وشركات كهرباء متنافسة

|

أخي القارئ، هل تساءلت كيف تؤمن الدولة الطاقة الكهربائية لك بشكل مستمر ومستقر وبسعر مقبول لعشرات الأعوام؟ وكيف يمكن تعزيز سوق الكهرباء لتعمل بأفضل طريقة لتحقيق شروط أمن الطاقة، وما سبل تعزيز ذلك؟ وما علاقة ذلك بالاقتصاد والمجتمع والبيئة، وأثر ذلك فيك أيها المواطن؟ سيتطرق هذا المقال إلى مفهوم أمن الطاقة الكهربائية بمعناه الأشمل والسياسات المرتبطة بذلك، بطريقة علمية مبسطة ومرتبطة بالواقع، ليعطيك تصورا شاملا ومختصرا. ولفهم ذلك لا بد أولا من توضيح مفهوم أمن الطاقة ومفهوم سياسات الطاقة.
يتحقق أمن الطاقة الكهربائية من خلال أربعة مرتكزات هي كالتالي: يشمل المرتكز الأول تأمين مصادر الطاقة من مجموعة مختلفة من المصادر مثل الغاز والبترول والطاقة المتجددة. المملكة - ولله الحمد - غنية بالغاز الطبيعي، خاصة بعد اكتشاف حقل الجافورة وغيره، ومن ثم سيلبي أغلب احتياجات الطاقة الكهربائية وستقل حاجة المملكة إلى حرق البترول لإنتاج الكهرباء، وسيعطي فرصة لتصديره كبترول خام أو منتجات مكررة مثل البنزين والديزل، ما يساعد على زيادة الدخل المالي للمملكة. وفيما يتعلق بالطاقة المتجددة ومع الخطط الحديثة لوزارة الطاقة فستأخذ لاحقا حصة أكبر كمصدر للطاقة، خاصة إذا تم تعزيز استقرار الشبكة الكهربائية للتعامل مع الطاقة الكهربائية المنتجة من مصادر الطاقة المتجددة وإيجاد حلول عملية لتخزينها وتحفيز استخدامها بسياسات تفضيلية. ويتضمن المرتكز الثاني تأمين الطاقة الكهربائية للأفراد والشركات بسعر يضمن نمو الاقتصاد بشكل دائم. ويتضمن المرتكز الثالث حصول جميع المستخدمين على الطاقة بما في ذلك سكان القرى والأماكن النائية. أما المرتكز الرابع فهو ضمان استدامة الطاقة بشكل لا يضر بالبيئة.
ولتعزيز أمن الطاقة الكهربائية نحتاج إلى ربط ذلك بشكل أوسع على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. ولتحقيق أمن الطاقة بمرتكزاته الأربعة لا بد من وضع سياسات تنظيمية ومالية ومعلوماتية، وذلك تحت مظلة وزارة الطاقة كما هو الواقع الآن. ومثال ذلك تنظيم سوق الطاقة بما في ذلك أسعار الطاقة، وعلاقة المستخدم بمزودي الطاقة، واشتراطات كفاءة الطاقة للأجهزة المنزلية والمباني والمصانع، وتخطيط وتنظيم مشاريع التوسع والتشغيل لإنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء حتى تصل إلى المستخدم النهائي.
ولقد نجحت الجهات ذات العلاقة تحت إشراف وزارة الطاقة في تأمين الطاقة الكهربائية لجميع المستهلكين، ولتعزيز ذلك تحتاج جميع القطاعات ذات العلاقة إلى تنسيق الجهود بشكل أفضل تحت مظلة الوزارة. فعلى سبيل المثال التوسع الكبير في القدرة الإنتاجية للطاقة الكهربائية وضع في الحسبان الزيادة السنوية العالية للطلب في السابق الذي وصل إلى أكثر من 8 في المائة لعدة أعوام، لكن مع السياسات الجديدة لرفع كفاءة استهلاك الطاقة ورفع أسعار الكهرباء لم تسجل أي زيادة كبيرة في الطاقة الكهربائية المنتجة في بعض الأعوام، ليكون أعلى حمل للطاقة الكهربائية في وقت الذروة في حدود 62 جيجا واط منذ عام 2015 إلى 2020 وكان قبل ذلك أقل بكثير، ونتيجة لذلك يوجد فائض في القدرة على إنتاج الكهرباء مع الأخذ في الحسبان أن هذا الفائض سيقل مع إيقاف تشغيل المحطات الكهربائية التقليدية القديمة ذات الكفاءة المنخفضة، ويزداد مع المشاريع المستقبلية للطاقة المتجددة لتأخذ نسبة كبيرة من القدرة الإنتاجية للطاقة الكهربائية في المملكة. وفيما يتعلق بالطاقة المتجددة فقد تم تعديل الخطة عدة مرات قبل البدء بشكل منسق وعملي في تنفيذ المشاريع تحت الإشراف المباشر من قبل وزارة الطاقة. ومن هنا تتبين أهمية التنسيق بين جميع القطاعات ذات العلاقة بشكل أفضل تحت مظلة وزارة الطاقة وربط ذلك برؤية 2030 لتعظيم الأثر الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
ويوجد تنسيق بإشراف وزارة الطاقة بين الجهات ذات العلاقة مثل الشركات المنتجة والموزعة للكهرباء وشركة أرامكو السعودية، وتحسن هذا التنسيق بشكل كبير مع توجيهات وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، حيث أنجز في عدة أشهر بعض الأمور المعلقة لأعوام عديدة. وحتى يكون للتنسيق أثر اقتصادي واجتماعي وبيئي بصورة أشمل في الوطن ولتحديد المزيج الأمثل لمصادر الطاقة الكهربائية، فمن الأفضل ربطه بأعلى جهة، وربط ذلك برؤية المملكة 2030. لأجل ذلك قرر مجلس الوزراء السعودي تشكيل لجنة عليا باسم "اللجنة العليا لشؤون مزيج الطاقة لإنتاج الكهرباء وتمكين قطاع الطاقة المتجددة" برئاسة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. وستتولى اللجنة البت في جميع ما يتصل بتحديد مزيج الطاقة الأمثل لإنتاج الكهرباء، والإشراف والتمكين لقطاع الطاقة المتجددة من الإنتاج والتصنيع. وفي تصوري من الأدوار المتوقعة لهذه اللجنة ربط قطاع الطاقة بالاقتصاد الكلي والجزئي ورؤية 2030 حتى نحصل على أفضل أثر في الاستثمار ونقل التقنية والإنتاج والمزيج الأمثل لمصادر الطاقة الكهربائية، وذلك بالتنسيق مع وزارة الطاقة.
ولك أن تتساءل أخي القارئ، ما نسبة التوطين والأثر الاقتصادي للطاقة الكهربائية في مجال الصناعة لسلسلة الإمدادات من استخراج الغاز إلى إنتاج الكهرباء وتوزيعه حتى تصل الكهرباء إلى منزلك. نعم هناك بعض الجهود لتعزيز صناعة سلسلة الإمدادات مثل برنامج "اكتفاء" لشركة أرامكو السعودية وبرنامج "بناء" للشركة السعودية للكهرباء وبرنامج "نساند" لشركة سابك. وقد بادر الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة حديثا بتوحيد الجهود، وأطلق برنامجا لتعزيز المحتوى المحلي وجذب الاستثمار في قطاع الطاقة، وتشكيل لجنة توجيهية بإشرافه، ما يسهم في توحيد الجهود وتعزيز أثرها في الاقتصاد والمحتوى المحلي، وكذلك فإن إنشاء اللجنة العليا لشؤون الطاقة سيسهم في تعظيم أثر هذه الجهود بشكل أشمل في اقتصاد الدولة من خلال توطين صناعة الطاقة بما في ذلك الطاقة المتجددة وخدماتها. ويشمل مفهوم أمن الطاقة من الناحية الاقتصادية إنشاء سوق حرة للطاقة الكهربائية، ويتم ذلك بتحويل شركة الكهرباء إلى عدة شركات متنافسة ومن ثم إنشاء سوق جديدة لقطاع الكهرباء أكثر تحررا وكفاءة ومرتبطة بالعرض والطلب، كما هو معمول به في عديد من الدول المتقدمة، وهو مخطط له حاليا، ونحن في انتظار تطبيقه.
ويشمل مفهوم أمن الطاقة من ناحية الاستدامة والبيئة تعزيز الجهود والخبرات لتقليل انبعاثات الكربون وتقليل استخدام المياه والمحافظة على البيئة بين الجهات ذات العلاقة، وكذلك التنسيق لأفضل استدامة وأثر اقتصادي للبترول والغاز كوقود، والطاقة المتجددة كمصدر للطاقة الكهربائية، وهذا سيشمل مشروع نيوم الذي سيكون فريدا من نوعه، لأنه سيعتمد على الطاقة النظيفة بشكل كامل. من جهة أخرى فإن التوسع في ربط الطاقة الكهربائية بدول الجوار سيمكن المملكة من تصدير الطاقة الكهربائية الفائضة وسيكون له أثر اقتصادي إيجابي ومعزز للدور الإقليمي للمملكة. وزيادة حصة الطاقة المتجددة لتشكل نسبة كبيرة كمصدر للطاقة الكهربائية وتوطين صناعتها مهمان لتعزيز استدامة مصادر الطاقة، ما يتطلب من وزارة الطاقة تذليل العقبات لتعزيز شبكات نقل وتوزيع الكهرباء وإيجاد خيارات عملية واقتصادية لتخزين الطاقة الكهربائية المنتجة والتوسع في استخدام الطاقة الشمسية فوق أسطح المنازل، وتطوير البنى التحتية لشحن السيارات الكهربائية. ويشمل مفهوم أمن الطاقة تعزيز الجهود التي تقوم بها وزارة الطاقة لرفع كفاءة الطاقة في المباني والصناعة والنقل والمنافع والأجهزة المنزلية من خلال البرنامج السعودي لكفاءة الطاقة ولتمكينها لتقوم بدور أكبر حتى تسهم في تقليل استهلاك الطاقة وتغير نمط الاستهلاك، ما يعزز المزيج الأمثل لمصادر الطاقة، وتبذل الوزارة جهودا لتذليل إيجاد مصادر الطاقة الكهربائية للحاجة المستقبلية إلى المياه، ومشاريع الإنتاج المزدوج سواء كان إنتاج الكهرباء مع إنتاج المياه أو مع إنتاج الحرارة للخدمات الصناعية، وكذلك تشجيع إنشاء المحطات غير المركزية لتعزيز استدامة الطاقة الكهربائية ومشاريع التبريد المناطقي ذات الكفاءة العالية. وسيتم ربط ذلك بالمزيج الأمثل لمصادر الطاقة الذي سينعكس إيجابيا على أمن الطاقة وعلى اقتصاد المملكة.
وفيما يتعلق بتعظيم الأثر الاجتماعي لقطاع الطاقة، فيكون بالتنسيق بين وزارة الطاقة والقطاعات ذات العلاقة، مثل مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، من خلال توفير الوظائف وتطوير الكفاءات العلمية الشابة وتوحيد جهود البحوث والتطوير حتى نتمكن من تطوير وتوطين تقنيات الطاقة والخدمات المرتبطة لتسهم في الناتج المحلي، وكذلك متابعة تغير سلوك الاستهلاك خاصة بعد تركيب العدادات الذكية وأثر ذلك في نمو الطلب المستقبلي للطاقة الكهربائية.
ومع تطوير سوق الطاقة الكهربائية وتعزيز كفاءتها ستعتمد بشكل أكبر على الرقمنة وتبادل المعلومات وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة، وستكون هناك حاجة ماسة إلى تنسيق الجهود لتعزيز الأمن السيبراني، حيث يحتاج قطاع الطاقة إلى الاستعداد لمواجهة الهجمات المحتملة وتطوير الخطط البديلة في حال حدوث هجمات، والبحث والتطوير لرفع كفاءة القطاع ضد الهجمات السيبرانية.
والخلاصة أن أمن الطاقة الكهربائية واسع وشامل ويتعدى المفهوم التقليدي المباشر وهو تأمين مصادر الطاقة وإنتاج الكهرباء وإيصالها إلى المستخدم النهائي، بل هو أكثر تعقيدا. ووزارة الطاقة والجهات ذات العلاقة تبذل الكثير، فكلما زاد التنسيق تحت مظلة الوزارة والربط بالخطط المستقبلية ورؤية 2030 وتغيرات واحتياجات سوق الطاقة المستقبلية، زاد أثره في الاقتصاد والمجتمع والبيئة وفي الوطن والمواطن.


مدير مركز التميز البحثي في الطاقة المتجددة
ومدير مركز التميز في كفاءة الطاقة،
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
إنشرها