القمة الإفريقية .. عودا على الأمن والسلم

 القمة الإفريقية .. عودا على الأمن والسلم
 القمة الإفريقية .. عودا على الأمن والسلم

اختتمت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا قبل 10 و11 شباط (فبراير) الجاري، القمة الـ31 للاتحاد الإفريقي، تحت شعار "إسكات البنادق: إيجاد الظروف المواتية لتنمية إفريقيا"، تعبيرا عن رغبة قادة القارة السمراء في وضع حد للنزاعات المسلحة التي تمزق مجتمعات وشعوب هذه القارة، مجددين بذلك عزمهم على تحقيق طموح إنهاء الصراعات في القارة، كانت الهيئة القارية تعهدت بتحقيقه عام 2013؛ "إنهاء الحروب في إفريقيا بحلول 2020" دون أن يتأتى لها ذلك على أرض الواقع.
يضمن جدول قمة رؤساء دول وحكومات الدول الإفريقية زهاء 60 ملفا أمنيا وسياسيا واقتصاديا ومؤسساتيا، غير أن حصة الأسد في المناقشات كانت من نصيب إسكات البنادق؛ أي تحقيق الأمن والسلم والحد من النزاعات، ثم قضية التغيرات المناخية بالبحث عن جميع السبل الممكنة للتخفيف من انعكاسات هذه الأزمة على الدول الإفريقية، وأخيرا مساعدة الأفارقة حكومات وشعوبا على تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
السلم أساس مستقبل القارة
فرض التحدي القديم الجديد نفسه ضمن هذه المواضيع، حيث تصدر إخماد الحرائق المتشعلة في أكثر من رقعة على التراب الإفريقي واجهة النقاش، خاصة بعد أن اطمأن الاتحاد الإفريقي إلى نجاحه في إنهاء الاقتتال في كل من إفريقيا الوسطى؛ حيث كان الراعي الرسمي لاتفاق السلام بين الحكومة والمجموعات 14 المتمردة، وفي السودان حين تولى مجلس السلام والأمن التابع للمنظمة الإفريقية، مهمة الوساطة بين زعماء الحراك وقادة المجلس العسكري. قبل أن ينصدم بأزمات جديدة، تتصاعد في كل من الكاميرون والموزنبيق، تضاف إلى تلك التي تحصل في ليبيا وجنوب السودان.
تعد القارة الإفريقية قارة المفارقات بامتياز، فبقدر غنى وتنوع الموارد الطبيعية من كل الأصناف بها، تتعدد الصراعات السياسية والأيديولوجية والعرقية.. التي تحركها في أغلب الأحيان أياد خارجية، دفاعا عن مصالحها وأهدافها الخاصة، حتى صارت القارة صاحبة أكبر عدد من الصراعات المستمرة في العالم. فوفق أحدث الإحصائيات، نجد أن 41 صراعا مشتعلا في عالم اليوم، تدور رحى 23 منها في القارة الإفريقية، وهذا يمثل نسبة قدرها 56 في المائة من صراعات العالم.
ما بين 2013 حين رفع تحدي إحلال السلم في إفريقيا لأول مرة، واليوم عقب إعادة الهيئة الإفريقية التأكيد عليه، اكتشف الأفارقة؛ ومعهم بقية العالم، الصورة الحقيقية للأوضاع في قارتهم؛ من الساحل الإفريقي إلى الصومال، حيث يتمدد الإرهاب، ومن الغرب حتى الشمال الإفريقي، وصولا إلى أعماق إفريقيا جنوب الصحراء، حيث شبكات التهريب والاتجار في الحجر والبشر معا. سبعة أعوام كانت كافية كي يعي أبناء القارة السمراء مدى تعقيد الإشكالية الأمنية في قارتهم.
حرائق مشتعلة هنا وهناك
تعود جذور معظم النزاعات المتوقدة في دول القارة الإفريقية إلى زمن الاستعمار، أو بتعبير أدق اللحظات الأولى لما بعد رحيله، فقد حرص على الخروج مع الاحتفاظ لنفسه بأوراق يمكنه استخدامها كلما دعت الضرورة إلى ذلك؛ حفاظا على مكسب ومصلحة، أو طمعا في امتياز وأفضلية، أو درءا لتهديد. تعيش أوغندا في حالة حرب في شمال البلاد ضد جيش الرب للمقاومة؛ أحد الجماعات الأكثر وحشية في العالم، التي تأسست على يد أليس لاكوينا المسيحية المتشددة؛ المنتمية إلى عرقية الأشولي المضطهدة، بهدف الإطاحة بالحكومة الأوغندية، وإقامة نظام ثيوقراطي يستند إلى الكتاب المقدس والوصايا العشر، راح ضحية هذا الهدف أكثر من مائة ألف شخص، وما يفوق ميلون نازح، علاوة على اغتصابات جماعية وعبودية بالجملة.
غير بعيد، في اتجاه الجنوب الغربي، يحتدم الصراع بين جبهة تحرير كابيندا التي تأسست عام 1963 والحكومة في أنجولا، ترجع النزعة الانفصالية إلى رغبة الكابنديين في السيطرة على ثروات الإقليم التي تقدر بنصف إنتاج الدولة من النفط، إضافة إلى موارد طبيعية أخرى كالمطاط.. وقد خلف هذا الصراع الذي استمر لأكثر من نصف قرن أكثر من 30 ألف قتيل.
عادت المقاومة الوطنية الموزمبيقية المعروفة باسم حزب رينامو لقادة تمرد جديد ضد الحكومة المركزية منذ عام 2013، بدعوى سوء توزيع عائدات التنمية الاقتصادية في الدولة، وفق الاتفاق الموقع بين الطرفين عام 1992، بعد حرب ضروس، بدأت منذ تأسيس الدولة عام 1975. أوشكت حصيلة النزاع من كلا الطرفين على الوصول إلى عتبة ربع مليون قتيل، منذ اندلاعه إلى اليوم.
ما أكثر بؤر التوتر في القارة السمراء من جماعة "بوكو حرام" في نيجيريا، والحرب الأهلية في كل من الصومال "1991" وليبيا "2011"، وفي جنوب السودان "2013"، ثم الصراع في دلتا النيجير في نيجريا "أكثر من ثلاثة آلاف قتيل"، والصراع الطائفي في نيجيريا "16 ألف قتيل"، والصراع الإيتوري في الكونغو بين قبيلة "إيندو" وقبيلة "الهيما" "60 ألف قتيل"، والصراع في شمال مالي، بقيادة الحركة الوطنية لتحرير أزواد.
عودة القادة الأفارقة إلى تحقيق السلم بعد فشل الرهان الأول على عام 2020، يكشف عن إصرار قوي لإنهاء الحروب والصراعات في هذه القارة، استعدادا لتنميتها وتأهيلها حتى تكون قارة المستقبل حقا. بيد أن هذا الطموح يصطدم بمعطيات الواقع، فالحروب في إفريقيا تبدأ ولا تنتهي؛ فهذه القارة بتعبير أحدهم "ليست كتلة متكاملة، ليست جزءا واحدا يمكن تحليله بطريقة موحدة.. في إفريقيا هناك اختلاف في طريقة عيش الناس ووضعهم الإنساني والاجتماعي والاقتصادي"، بهذا تكون هذه القارة مغايرة لبقية مناطق العالم التي تعرف حروبا، إلا أنها تتميز بالحد الأدنى من التجانس والانسجام.

الأكثر قراءة