فيروس كورونا وفيروس الإعلام

قد يستغرب القراء كيف لأستاذ في الإعلام يطلق توصيف "الفيروس" على مهنته؟ والفيروس، وما أدراك ما الفيروس، شاغل الدنيا والناس اليوم.
إنه فيروس كورونا الذي تسبب حتى كتابة هذا الموضوع في وفاة 425 شخصا وأصاب أكثر من 20 ألفا جميعهم تقريبا في إقليم هوبي في الصين، مركز ظهور الفيروس.
والفيروس هذا شأنه شأن أي حدث أو مسألة لا تصبح مشكلة أو لا تسترعي انتباه الناس إن لم ينشغل بها الإعلام. لو أهمل الإعلام تغطيته لأي حدث أو مسألة أو مرض أو فيروس، لما صار قضية.
فيروس كورونا مرض معد خطير. لا شك في ذلك، بيد أنه مع انتشاره والزيادة المطردة في عدد المصابين والوفيات بسببه هناك حملة إعلامية غايتها التضليل والتخويف وتقديم معلومات غير موثقة.
ومن هنا المقارنة بين فيروسي كورونا والإعلام. في الحالة الأولى، لنا معرفة عن الضحايا والمصابين والمنطقة الرئيسة التي ينتشر فيها هذا الفيروس الخبيث. في الحالة الثانية، لا معرفة لنا عن مقدار الأذى الذي سببه وسيسببه الإعلام المضلل في تغطيته لهذا المرض.
فيروس كورونا الذي تم اكتشافه نهاية العام المنصرم، صار اليوم حالة طوارئ على مستوى العالم.
ورغم أن انتشاره خارج الصين، وبالذات ضمن الرقعة المحددة في مقاطعة واحدة يبلغ عدد سكانها نحو 11 مليون نسمة لا يزال محدودا، إلا أن عدد الذين أصيبوا بفيروس الإعلام قد لا يحصى. أظن أن كل واحد منا أصابه شيء من هذا التضليل إلى درجة أننا صرنا نفكر مليا في تغيير سلوكنا تجاه عديد من الممارسات.
وبدأنا نلاحظ التأثير السلبي لفيروس الإعلام المرافق لفيروس كورونا. هناك بوادر عداء عنصري في أوروبا وأمريكا الشمالية حتى أمريكا الجنوبية ضد سكان شرق آسيا ومنها الصين. هناك أعداد هائلة من سكان شرق آسيا في الجامعات الأوروبية مثلا وصار هؤلاء يتحدثون صراحة للإعلام عما يعانونه من عداء وإقصاء وتحامل.
وتنتشر في وسائل الإعلام التقليدية والرقمية قصص غريبة وعجيبة عن الصينيين وأكلاتهم التي يقولون إنها السبب وراء ظهور هذا الداء.
ومنها وجبة حساء من لحم الخفافيش تتناولها عائلة صينية وفرد منها يتلذذ بقضم الخفاش المحمر بطريقة مقززة. وانتشر الخبر والفيديو المرافق له في وسائل التواصل ونقلته كقصة خبرية بعض الجرائد وسرعان ما ظهر أن الشريط هذا يعود إلى عام 2016 وأن المكان ليس الصين بل دولة أخرى.
وعند التحقق من القصة هذه ظهر أن حساء الخفافيش لا يعد أساسا وجبة مرغوبة في الصين.
وبدأت تظهر تعليمات تنسب إلى المراكز الصحية الرسمية أو الدولية وهي منها براء، مثل النصيحة بتجنب التوابل والإكثار من فيتامينات محددة وإرشادات حول العناية بالحنجرة وغيرها من الأمور، ولكن عند التحقق ظهر بطلانها.
النصيحة المهمة التي تقدمها منظمة الصحة العالمية حول الوقاية بقدر تعلق الأمر بالطعام هي تجنب أكل المشتقات الحيوانية التي لم تطبخ طبخا جيدا.
وتطفو نظريات المؤامرة على السطح ولن أغوص في تفاصيلها أو سردها لأنها في حد ذاتها قد تحتاج إلى سلسلة من المقالات، لكن ما ألمني وأنا أسافر كثيرا هو كيف أن الآسيويين في أوروبا نظرا لموجة العداء العنصري صاروا يتجنبون الاختلاط بالآخرين.
وما هالني كان ما رأيته من فزع على وجه زميل وقع طريح الفراش بسبب نزلة برد عادية لكنها قاسية -كما هي الحال في أغلب النزلات من هذا النوع- حيث كاد يموت من الخوف لأن إصابته أتت بعد رحلة طيران كان فيها بعض المسافرين من شرق آسيا وكان يشك أن عدوى فيروس كورونا أصابته وهو في الطائرة.
الاحتياط واجب، ودرهم وقاية خير من قنطار علاج، لكن علينا الحذر من أننا قد نقع ضحايا لقصور في الفهم والخداع والغش والأكاذيب التي غايتها الكيد والمكر؛ وهذا مع الأسف صار ديدن بعض المنصات في مواقع التواصل الاجتماعي.
والإعلام المهني الرصين لا يجوز أن يصبح منصة لإثارة الرعب والخوف والكذب والتضليل. عندما يفعل ذلك يصبح فيروسا، انتشاره وأثره وعواقبه قد تكون بمستوى عواقب فيروس كورونا وأكثر.
ومن هنا يأتي دور الصحافة المهنية التي يقع على عاتقها توعية الناس وليس تخويفهم وأن تغطيتها للأحداث تختلف كثيرا من حيث المصداقية والنزاهة عما يدور في فلك مواقع التواصل الخوارزمية التي تحتل الدنيا اليوم.
تألمت كثيرا عند قراءتي تقريرا حول مصداقية الأخبار التي تنشرها الصحافة المهنية بالإنجليزية حيث ظهر أن نصف القصص الخبرية في قائمة الأخبار العشرة الأكثر رواجا في "فيسبوك" حول فيروس كورونا فيها كثير من المبالغة، وتثير الخوف ومضللة بشكل سافر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي