نهضة إفريقيا .. هل توقفت؟ «3 من 3»

تغيرت الظروف الاقتصادية العالمية كثيرا، ويواجه كثير من الدول بعضا من أصعب التحديات التي قابلها خلال عقد أو أكثر. فقد تباطأت وتيرة النمو كثيرا في أنحاء العالم بما فيها عديد من أسواق التصدير المهمة. فتباطأ النمو في أوروبا بصورة حادة، ولا يزال التعافي في الولايات المتحدة محدودا. وتباطأ كل من النمو والتجارة، وتوسعت التجارة العالمية بنحو 7 في المائة في العام خلال العقد الممتد بين 1998 و2007 ، لكن هذه الوتيرة تراجعت مند عام 2012 بما يزيد على النصف ولا تتجاوز الآن 3 في المائة في العام.
وربما كان العامل الأبرز هو هبوط نمو الصين إلى نحو 6 في المائة، أي أقل بكثير من وتيرته في الأعوام الأخيرة. وانطلقت تجارة الصين مع إفريقيا جنوب الصحراء كالبرق من أقل من 20 مليار دولار في 2003 إلى ما يزيد على 170 مليار دولار في 2013. لكن نمو الصين تراجع بينما ركزت جهودها بقدر أكبر على اقتصادها المحلي، ما أدى إلى حدوث تباطؤ حاد في التجارة مع إفريقيا وانكماش كبير في بعض الدول، خاصة أنجولا وجمهورية الكونغو وغينيا الاستوائية وجنوب إفريقيا وزامبيا - الشركاء التجاريون الرئيسون للصين في إفريقيا. ولم تكن كل التغيرات سلبية: فأدت سرعة ارتفاع الأجور في الصين إلى إتاحة فرص جديدة أمام الدول الإفريقية للتوسع في الصناعة التحويلية. لكن العلاقات مع الصين تتغير بسرعة من جديد، وتوخي الحرص في إدارتها مطلب ضروري لاستمرار النمو في كثير من الدول في أنحاء المنطقة على المدى البعيد.
ومع تباطؤ النمو، هبطت أسعار السلع الأولية كثيرا. فانخفضت أسعار الذرة والنحاس والقطن بما يزيد على 20 في المائة منذ عام 2013، وهبطت أسعار خام الحديد والنفط بأكثر من 50 في المائة. وكان لهذا التراجع في الأسعار تأثير واسع النطاق في المكاسب من التصدير وإيرادات الموازنة والاستثمار وتوظيف العمالة وأسعار الصرف والاحتياطيات بالنقد الأجنبي. وتتسم هذه الآثار بأنها كبيرة بصفة خاصة في الدول المنتجة للنفط "أنجولا وجمهورية الكونغو ونيجيريا، وغيرها"، وفي الدول التي تصدر الحديد الخام "ليبيريا وسيراليون وجنوب إفريقيا"، والنحاس "جمهورية الكونغو وجنوب إفريقيا وزامبيا"، والألماس "بوتسوانا وناميبيا وجنوب إفريقيا".
في المقابل، تباطأ النمو في إفريقيا جنوب الصحراء من 5 في المائة في 2014 إلى 3.5 في المائة في 2015، وتشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أنه سيظل محدودا في حدود 3 في المائة في 2016. ومرة أخرى، هناك تباين كبير، حيث أصيب بعض الدول بضرر بالغ بينما عادت تغيرات الأسعار فعليا بالمنفعة على دول أخرى. وسجلت الدول المصدرة للنفط أكبر معدلات هبوط في النمو، جنبا إلى جنب مع الدول المنتجة لخام الحديد والنحاس والألماس. واهتزت جنوب إفريقيا، وهي أحد المحركات الاقتصادية الرئيسة في المنطقة، من جراء الجفاف وهبوط أسعار الصادرات وتزايد الصراعات السياسية، ولا يتجاوز معدل نموها الآن نحو 1 في المائة. وبعد نجاح التحول السياسي العام الماضي في نيجيريا، وهي القاطرة الأخرى في المنطقة، أعقبته على الفور تحديات نشأت من التراجع الحاد في أسعار النفط، واتساع الاختلالات في المالية العامة والتجارة، وتردد صناع السياسات في الاستجابة. كذلك لحقت أضرار بالغة بكل من أنجولا وليبيريا وزامبيا.
وعلى العكس من ذلك، فإن معظم دول إفريقيا جنوب الصحراء مستوردة للنفط، وعاد هبوط أسعار الوقود عليها بالنفع. وحقق بعض الدول، مثل كوت ديفوار، مكاسب من ارتفاع أسعار صادراته "الكاكاو في هذه الحالة" وانخفاض أسعار الواردات النفطية. وبالمثل، فكثير من دول المنطقة مستورد للمواد الغذائية ولاقى دعما من انخفاض أسعار الأرز والقمح والمنتجات الغذائية الأخرى. وتواجه الدول التي لديها صادرات متنوعة تأثيرا أخف على أسعار صادراتها، تصحبه مكاسب على جانب الواردات. ولا تزال التوقعات تشير إلى بلوغ النمو 5 في المائة أو أكثر هذا العام في كينيا وموزمبيق ورواندا وتنزانيا وأوغندا.
لكن الدول في مختلف أنحاء المنطقة تواجه عديدا من التحديات الأخرى على المدى الطويل، بدءا من ضعف البنية التحتية للكهرباء والطرق والمياه. وتشير تقديرات الباحثين في البنك الدولي إلى أن أوجه نقص البنية التحتية في إفريقيا أدت إلى انخفاض النمو بما يزيد على نقطتين مئويتين في السنة. ويعيش نحو ثلث سكان الريف الأفارقة في مناطق لا تبعد إلا بمسافة كيلومترين عن طرق تعمل في كل فصول السنة، مقارنة بنسبة الثلثين في المناطق الأخرى. وبينما توجد المياه بوفرة في أنحاء كثيرة من إفريقيا، فإن نقص مرافق تخزين المياه والري يؤثر سلبا في النشاط الاقتصادي، وسيزداد تأثير هذا النقص مع استمرار تغير المناخ.
كذلك تمثل التحولات الديمغرافية اختبارا كبيرا آخر. فيتوقع صعود عدد سكان إفريقيا جنوب الصحراء من 965 مليون نسمة في 2016 إلى 2.1 مليار نسمة في 2050. ويمكن أن يبلغ سكان نيجيريا وحدها 400 مليون نسمة بحلول عام 2050، أي أكثر من ضعف الحجم في الوقت الراهن. وسينمو سكان الحضر بسرعة فائقة ما يفرض تحديات جسيمة في توفير فرص العمل وعلى البنية التحتية والتعليم والصحة والإنتاج الزراعي. لكن التحولات الديمغرافية تتيح فرصا كذلك: فيتبين من التاريخ أن نمو السكان لا يفرض بالضرورة قيدا على النمو. فمن شأن عوامل زيادة أعداد سكان المناطق الحضرية، وارتفاع نسبة السكان في سن العمل، وزيادة مشاركة الإناث في القوى العاملة، أن يتيح فرص التوسع في الصناعة التحويلية والخدمات - مثلما حدث في آسيا في العقود الأخيرة - خاصة عندما يصاحبها استثمار في البنية التحتية والتعليم.
وربما كان أصعب التحديات من بينها جميعا، هو تغير المناخ. فيتوقع ارتفاع درجات الحرارة في إفريقيا جنوب الصحراء بما يراوح بين 1.5 و3 درجات مئوية بحلول عام 2050، كما يتوقع أن يزداد تقلب أنماط الطقس ودرجات الحرارة وسقوط الأمطار. وستترتب على ذلك آثار لا حصر لها، بما فيها ارتفاع مستوى البحر في المناطق الساحلية، وانخفاض مستوى المياه الجوفية، وزيادة وتيرة العواصف، ووقوع آثار سلبية في الصحة. ويمكننا القول إن أسوأها هو الضربة التي ستلحق بالناتج وإنتاجية العمالة في قطاع الزراعة، وهو المصدر السائد للدخل في إفريقيا، خاصة للفقراء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي