ترقب عالمي متوتر لاتفاق بكين - واشنطن

"لم نتخذ بعد أي قرارات بشأن الرسوم الجمركية المقبلة على الصين. الحال لا يزال كما كان عليه"
ستيفن منوتشين، وزير الخزانة الأمريكي

لا تزال الحكومات حول العالم والأسواق الدولية، والمنظمات الاقتصادية العالمية تتلقف باهتمام وتوتر أي خبر أو معلومة عن الاتفاق التجاري الجزئي الذي تم التوصل إليه بين الولايات المتحدة والصين الذي يعتقد أنه سيكون أساسا لاتفاق دائم في المرحلة المقبلة. هذا الاتفاق لا يزال غير معلن بصورة كاملة، كما أنه يأتي بعد 16 شهرا من اندلاع الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في هذا العالم، ولا توجد مؤشرات يمكن الاستناد إليها، على ضمان مرور الاتفاق المذكور إلى المرحلة الثانية. فالمواقف بين الطرفين "رغم لطفها في الآونة الأخيرة"، إلا أنها لا تزال تستند إلى شعبوية سياسية مطلوبة على الساحتين المحليتين في البلدين. والتشدد في المواقف، يعني حصول الحكومة على مزيد من الدعم الشعبي، ولا سيما على الساحة الصينية.
للحرب التجارية بين بكين وواشنطن آثار سلبية في الطرفين. وهذه الحقيقة يتحدث عنها مختصون في المحافل الاقتصادية الدولية، كما أن هذه الحرب تركت معوقات في طريق النمو الاقتصادي العالمي، إلى درجة أن بعض الجهات تتحدث عن إمكانية حدوث ركود عالمي في المرحلة المقبلة، وتحذر من أن العالم سيدفع الثمن غاليا، خصوصا مع وجود معارك تجارية أخرى مرشحة للتحول إلى حروب، حتى بين الحلفاء التاريخيين أنفسهم! دون أن ننسى أن الساحة الدولية تخلصت للتو من تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية التي اندلعت قبل عقد من الزمن. ولهذه الأسباب وغيرها يترقب العالم مصير الاتفاق التجاري الجزئي بين الولايات المتحدة والصين، وطبيعة الوصول إلى المرحلة النهائية لهذا الاتفاق.
ولأن الأمر كذلك، ففي اليومين الماضيين ارتفع مؤشر الدولار، فور إعلان مكتب الممثل التجاري الأمريكي اقتراب مسؤولي التجارة لدى الطرفين من وضع اللمسات الأخيرة على أجزاء من المرحلة الأولى للاتفاق التجاري. وهذا يعني أن التشدد العلني من قبل الجهتين تقابله مرونة واضحة على طاولة المفاوضات. ويرى مدير استراتيجية الصرف الأجنبي في "كريدي سويس"، أن معظم القوة المحركة لأسعار الصرف الأجنبي في العام الماضي، جاءت من توترات التجارة العالمية. فأي شيء يؤثر سلبا أو إيجابا سيكون محركا في هذا الميدان. وتتفق مؤسسات اقتصادية واستثمارية كبرى في هذا المجال، ما يؤكد مجددا حجم توسع نطاق الأضرار الناجمة عن المواجهات التجارية، خصوصا بين أكبر اقتصادين على الساحة الدولية.
كلام واشنطن عن تقدم بشأن المفاوضات مع الصين، لاقى ترحيبا كبيرا من الجانب الأوروبي. فالاتحاد الأوروبي نفسه يخوض معارك تجارية مع واشنطن، كان آخرها فرض رسوم جمركية إضافية على سلع أوروبية بما فيها قطع الغيار، فضلا عن المشروبات الفرنسية وغيرها. والحق أن شيئا إيجابيا لم يحدث على صعيد تهدئة هذه المعارك، مع تمسك الأوروبيين بمواقفهم، واعتبار أن الإدارة الأمريكية الحالية تبالغ في هذا الميدان. فالاتحاد الأوروبي فرض بالفعل سابقا رسوما جمركية إضافية كرد مباشر على إجراءات مماثلة تم فرضها من جهة واشنطن. ويريد الأوروبيون حقا تفاهما مستداما في المجال التجاري مع الولايات المتحدة، لكنهم يقولون وراء الأبواب المغلقة إن ذلك قد يكون صعبا للغاية، في ظل مواقف إدارة الرئيس دونالد ترمب.
يتفق الجانبان الأمريكي والصيني على حدوث اختراق ينتظره العالم في المفاوضات الراهنة. لكن الساحة الدولية لن تطمئن قبل أن يتم التوقيع عليه من قبل رئيسي البلدين في الشهر المقبل في تشيلي. فقد حدث في السابق انهيار لهذه المفاوضات في اللحظة الأخيرة، لتنطلق الاتهامات بين الجانبين التي وصلت إلى حدود تجاوزت التعبيرات الدبلوماسية. وهذا ما حدث بين الأمريكيين والأوروبيين أنفسهم في الآونة الأخيرة. وعلى هذا الأساس لا تعد المؤسسات الكبرى "مثل صندوق النقد والبنك الدوليين وغيرهما" أن الأمور دخلت طريق الانفراج قبل التوقيع الرسمي المنتظر. فلا تزال هذه المفاوضات على مستوى النواب، وهذا يعني أن كل شيء وارد فيها. لكن في النهاية المؤشرات الواضحة تدل بصورة أو بأخرى على أن اتفاقا ما سيتم التوصل إليه في الأسابيع القليلة المقبلة.
غير أن المشكلة التي تنتظر العام بعد هذا الاتفاق هي مفاوضات المرحلة النهائية، وهذه على وجه الخصوص لن تكون سهلة بأي صورة من الصور. فالجانبان لا يزالان يتمسكان بأدوات فرض الرسوم الجمركية الإضافية على سلع بعضهما بعضا. ومثل هذه الإجراءات تضرب تلقائيا أي منجزات تفاوضية خصوصا إذا ما تم فرضها بالفعل. الأمر الذي نشر الخوف في الأوساط العالمية، أن واشنطن ملتزمة حتى اللحظة بالموجة الثانية من الرسوم الإضافية التي سيحل موعدها منتصف الشهر الأخير من العام الجاري. وبالطبع ستكون الصين جاهزة لإجراءات مماثلة على السلع الأمريكية. ولذلك يبقى التوتر موجودا على الساحة، حتى يرى العالم اتفاقا تجاريا مستداما. إنها مسألة بطبيعتها وزمنها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي