الموظف الخليجي .. والإنتاجية المنخفضة

ما زالت إشكالية الإنتاجية المنخفضة عند الموظف الخليجي تطرح نفسها بقوة في سوق العمل، وما زالت الموارد البشرية تشكو ــ في عمومها ــ من بعض التشوهات التي تعانيها سوق العمل في منطقة الخليج برمتها، ومنها سوق العمل في المملكة.
إن الإنتاجية تعد مؤشرا مهما يوضح قدرة عناصر الإنتاج "العمل، ورأس المال، والأرض، والتنظيم، والوقت" على تحقيق مستوى معين من الإنتاج بكفاءة مرجحة لأحد هذه العناصر، ويتم حساب الإنتاجية عن طريق نسبة إجمالي الإنتاج إلى عدد العاملين.
حاولت دول الخليج علاج هذه التشوهات، منها النقص في مهارة الموظف الخليجي، وكذلك قلة العدد، إما بتنظيم دورات مكثفة من التدريب، أو إحلال تكنولوجيا المعلومات محل العمل اليدوي، مع الاستمرار المكثف في إنشاء مراكز ومعاهد للتدريب هنا وهناك.
ولكن وسائل العلاج لم تجد فتيلا حتى اليوم، والسبب أن القضية لا تكمن في التدريب فحسب، بل هناك كثير من الأسباب التي يجب بحثها ووضع العلاج اللازم لها.
والحقيقة أن المشكلة أكبر من الأساليب التقليدية المتبعة، لأن سوق العمل الخليجية تشكو نقصا هائلا في أعداد الأيدي العاملة ما اضطر أرباب العمل إلى استقدام جيوش العمال من الخارج، وبالذات من الدول الآسيوية ومنها باكستان، وبنجلادش، والهند، والفلبين.
وأغلبية العمال الذين يعملون في الأسواق الخليجية مع الأسف الشديد هم من ذوي الخبرات المتواضعة، والمستويات الاجتماعية المتدنية، بل إن أكثرهم يأتون إلى أسواق العمل الخليجية ويتعلمون فيها بعض المهن التي يكثر الطلب عليها.
ولذلك ترتبت على استقدام الملايين من العمال مشكلات اجتماعية، واقتصادية، وعمالية، وأمنية أرهقت المجتمعات الخليجية وألحقت أضرارا بمجتمعاتها، وما زالت دول الخليج تعاني ملايين العمال الأجانب الذين يعيشون بين ظهرانيها، ومعهم أرتال من المشكلات!
وإذا رجعنا إلى بعض الدراسات المسحية نلاحظ أن هذه الدراسات تؤكد أن الموظف الخليجي، وبالذات في القطاع الحكومي ذو إنتاجية منخفضة، تؤثر في جودة الخدمات. وفي الحقيقة لا نحتاج إلى استحضار نتائج هذه الدراسات لإثبات أن العامل الخليجي ذو إنتاجية منخفضة، فتكفي زيارة خاطفة لوزارة مثل وزارة الصحة، أو زيارة لوزارة مثل وزارة البلديات ليقف الإنسان على المستوى المتواضع لإنتاجية الموظف الخليجي!
ورغم أن الشائع في الأوساط العلمية أن سبب تدني إنتاجية الموظف الخليجي هو انخفاض الرواتب والأجور، فإن هناك دراسات أخرى تشير إلى أن أسباب انخفاض إنتاجية الموظف الخليجي تعود إلى كفاءة بعض الأنظمة التي تنظم عملية تخليص المعاملات وتهيئتها للتنفيذ، ونؤكد أن دول الخليج تعاني نقصا في بعض الأنظمة والتشريعات، ولذلك فإن تصميم الأنظمة والقوانين بات من الأمور الضرورية والملحة، وبالذات بعد أن بدأت الحكومة الإلكترونية تأخذ مكانها في كثير من شؤون حياة المواطن الخليجي.
وأود أن ألمح إلى سبب آخر من أسباب تدني إنتاجية الموظف الخليجي، وهو بيئة العمل، وأتصور إذا وجد الفساد في أروقة المؤسسات الإدارية لن تكون محفزة لزيادة الإنتاجية، وهو ما يجب أن تعالج بشكل أكثر فعالية، لأن الفساد الإداري من الأمور المحبطة في الإدارة الخليجية!
والجميل الآن أن دول الخليج توصلت إلى شراكات مع كثير من الدول، وأن الاستثمارات الأجنبية بدأت معدلاتها تسجل أرقاما مهمة، ويجب أن ترافق هذه الشراكات مجموعة من الأنظمة والإجراءات الهادفة إلى تفعيل أداء الموظف جنبا إلى جنب مع استكمال منظومة الأنظمة واللوائح.
ولكن مع أهمية هذه الأسباب في زيادة الإنتاجية، فإن إصلاح سلوكيات الإنسان الخليجي يحتاج إلى اهتمام خاص، حتى تكون منظومة تحقيق إنتاجية عالية للموظف الخليجي قد اكتملت.
وقد يوجد بعض من الموظفين يشعرون بالتعالي على الوظيفة، وهنا نحتاج إلى وقفة مع الموظف، بحيث يكون سلوكه هو التواضع مع الإبداع والابتكار، والحلول غير التقليدية، وكل دول العالم اليوم تتجه إلى تشجيع الابتكار والإبداع عند البيروقراطيين في مختلف مستوياتهم.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، إذا كان كثير من الذين يبحثون في قياس إنتاجية الموظف الخليجي يميزون بين الموظف الحكومي والموظف في القطاع الخاص، فأنا هنا أؤكد أن إنتاجية الموظف الخليجي في القطاعين العام والخاص على السواء هي إنتاجية منخفضة إذا ما قورنت بإنتاجيات موظفي الدول المتقدمة، وعلينا ألا نفصل بين الموظف العام والموظف الخاص، بل يجب أن نتجه إلى علاج أوضاع جميع الموظفين دون تمييز.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي