تحديد أهداف التنمية العالمية «1من 3»

2015 عام مشهود بالنسبة للتنمية العالمية. فهو يوافق الموعد النهائي للأهداف الإنمائية للألفية التي تمثل أهدافا طموحة للتقدم العالمي وضعها قادة العالم في الأمم المتحدة في نهاية القرن الـ20. وبينما يكون ذلك مفاجأة للأشخاص الموجودين في اليابان أو أوروبا أو أمريكا الشمالية، فربما تكون الأعوام الـ15 الماضية هي الفترة التي أحرز فيها أكبر تقدم في جودة حياة الجنس البشري. وعلى وجه الخصوص تشير البيانات المتاحة إلى أننا شهدنا أسرع معدلات لتراجع وفيات الأطفال والفقر المطلق على الصعيد العالمي في التاريخ المسجل. ونتيجة لذلك، تجاوزنا بكثير الهدف الأول من الأهداف الإنمائية للألفية لخفض عدد سكان العالم الذين يعيشون على أقل من 1.25 دولار إلى النصف.
وعام 2015 أيضا تاريخ بدء تحقيق أهداف التنمية المستدامة المقرر أن يتم الاتفاق عليها في الأمم المتحدة في خريف هذا العام. وتجسد هذه الأهداف رؤية للتقدم المطلوب إحرازه حتى عام 2030 في مجالات تشمل الفقر والصحة والتعليم والأمن والبيئة والحوكمة والمساواة بين الجنسين ومجالات أكثر من ذلك بكثير. وسيعقد مؤتمر في أديس أبابا في تموز (يوليو) المقبل في إطار المساعي لتمويل تلك الخطة الجديدة.
وأخيرا، وفي اجتماع لمؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ يعقد في باريس في كانون الأول (ديسمبر) المقبل ستتعهد البلدان بخفض انبعاثات غازات الدفيئة، على أمل اختطاط مسار لنا بعيد عن كارثة الاحترار العالمي.
ويمكن أن تكون الأعوام الـ15 المقبلة تحويلية بالقدر نفسه الذي كانت عليه الأعوام الـ15 الماضية. وتعكس مشاريع أهداف التنمية المستدامة تطلعا عالميا إلى إحراز تقدم بوتيرة أسرع. وسيتطلب ذلك جهدا غير مسبوق سواء داخل البلدان أو عبر حدودها. وقد نظم مؤتمر تمويل التنمية في أديس أبابا لوضع تصورات عن ماهية ذلك الجهد ومن المؤكد أن أعمال المؤتمر قد أعدت بالفعل. وثمة أهمية حيوية لمؤتمر باريس لضمان أن يكون التقدم الإنساني قابلا للاستمرار بيئيا. لكن ربما يكون الشرط الأهم لتحقيق النجاح هذا العام هو تزايد اعتراف الاقتصادات المتقدمة بأن التنمية القابلة للاستمرار تصب في مصلحتها هي ذاتها: فالاقتصادات والصحة والرفاهية في العالم متشابكة بما يكفي لكي يكون الفشل في أديس أبابا أو باريس مأساة لها بقدر ما يكون مأساة للعالم النامي.
انبثقت الأهداف الإنمائية للألفية عن إعلان الألفية، وهو بيان لقادة العالم المجتمعين في الأمم المتحدة عام 2000. وكانت الوثيقة مفعمة بالتطلعات من أجل إحلال سلام عادل ودائم، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وإيلاء الاهتمام للطبيعة. لكنها تضمنت أيضا أهدافا محددة مستمدة من عدد من مؤتمرات الأمم المتحدة: تخفيض نسبة الأشخاص الذين يعيشون على أقل من دولار واحد يوميا إلى النصف "زادت لاحقا إلى 1.25 دولار حسب قيمة الدولار عام 2005"؛ وتمكين الأطفال في كل مكان من إتمام مرحلة التعليم الابتدائي وتحقيق المساواة بين الجنسين في الالتحاق بالمدارس؛ وتخفيض معدل وفيات الأمهات بمقدار ثلاثة أرباع وتقليل وفيات الأطفال دون الخامسة بمقدار الثلثين؛ ووقف انتشار فيروس نقص المناعة البشرية –الإيدز- وبدء انحساره، ومكافحة وباء الملاريا وغيرها من الأمراض الرئيسة. وشكلت هذه الأهداف أساس الأهداف الستة للألفية، إلى جانب هدف يتعلق بالاستمرارية البيئية وآخر بشأن إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية.
وقد تحقق تقدم هائل ومشجع في التنمية على مدى الأعوام الـ15 الماضية، بما في ذلك المجالات التي سلط الضوء عليها في الأهداف الإنمائية للألفية. وعلى عدد من التدابير، كان معدل التحسن غير مسبوق تاريخيا. ففي الفترة من عام 1999 إلى عام 2011 وحدها، انخفضت نسبة السكان في العالم النامي الذين يعيشون على أقل من 1.25 دولار يوميا من 34 إلى 17 في المائة، أي بمقدار النصف في 12 عاما فقط. وكان أداء النمو المتميز للصين جزءا كبيرا من هذا الإنجاز "فقد انخفضت نسبة السكان الذين يعيشون على أقل من 1.25 دولار من 451 مليونا إلى 84 مليون شخص في ذلك البلد"، وإن لم يكن ذلك هو السبب الوحيد. وعلى مدى الفترة نفسها انخفض معدل الفقر المدقع في البلدان النامية في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء من 59 إلى 47 في المائة من مجموع السكان. وعلى مدى هذه الأعوام الـ12 نفسها زاد صافي القيد في المدارس الابتدائية في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء من 58 إلى 77 في المائة. ويعنى ذلك أن خمس الأطفال في سن المدرسة الذين لم يكونوا سيلتحقون بالمدارس في مستويات القيد عام 2000 التحقوا بالمدارس بعد أكثر قليلا من عقد من الزمان.
وفي عام 2011، بلغت نسبة قيد الفتيات في التعليم الابتدائي 74 في المائة، بما يدل على تقارب نسبة الذكور والإناث في إمكانية الحصول على التعليم على مدى تلك الفترة. ولعل الخبر الأفضل هو التراجع الهائل في عدد الآباء الذين يواجهون آلام دفن طفلهم. فتشير آخر بيانات البنك الدولي إلى أنه في الفترة بين عامي 2000 و2013، انخفضت نسبة الأطفال المولودين في بلدان نامية الذين توفوا قبل بلوغهم سن الخامسة من 8.4 إلى 5.0 في المائة. وفي منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، تراجعت النسبة من 15.6 إلى 9.2 في المائة، بأكثر من 40 في المائة في 13 عاما فقط. وفي السنغال، التي شهدت تحسنا سريعا للغاية في صحة الطفل كان هناك احتمال أكبر من 50:50 أن المرأة التي أنجبت عدد الأطفال المتوسط عام 2000 ستفقد واحدا منهم على الأقل قبل أن يبلغ الخامسة "56 في المائة". وبحلول عام 2012 تغير هذا الاحتمال إلى واحد في أربعة "26 في المائة". ولا تزال هذه النسبة مفرطة في الارتفاع، إلا أن التقدم كان سريعا بصورة تفوق العقل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي