الأمير فهد السديري .. ورحيل العظماء

يقول محمود درويش

"الموت لا يوجع الموتى، الموت يوجع الأحياء".
تبادرت هذه المقولة إلى ذهني بسرعة حين قرأت خبر وفاة الأمير فهد خالد السديري أمير نجران سابقا ورئيس جائزة الأمير خالد السديري للتفوق العلمي، كثيرون يرحلون إلى خالقهم كل يوم فيبكيهم أهاليهم ومحبيهم، لكن حين يرحل العظماء أمثال الأمير فهد بن خالد، فإن الأهل والمحبين وتلك الأعمال الظاهرة للبعض والخفية عن كثيرين أيضا ستفتقده، وأجد لزاما علي أن أقول كلمة حق لله وللتاريخ ومن باب الوفاء وذكر محاسن رجل عظيم رحل وستبقى أعماله خالدة.
في عام 1423، كان زوجي مديرا لمدرستي الوسيعة والغاط لتحفيظ القرآن، طرأت على عقله فكرة بناء مسجد في المدرسة يتسع لجميع المعلمين والطلاب الذين كان عددهم يتجاوز 250، لأداء الصلاة جماعة وإقامة المحاضرات والفعاليات المدرسية في ساحته الخارجية؛ ولأن البناء يحتاج إلى ميزانية كبيرة، فقد تم فتح باب التبرعات واستغرق الأمر فترة طويلة حتى وصل المبلغ إلى 30 في المائة تقريبا من المبلغ التقديري، وبعدها لم يعد يصل أي تبرع كان الأمر محبطا، أشار عليه أحدهم أن يلتقي الأمير فهد بن خالد السديري في مزرعته الخالدية في الغاط، وفعلا التقاه، وبمجرد أن عرض عليه الفكرة رحب بها بحرارة وأبدى سعادته بهذا العمل وتكفل بباقي المبلغ وبفرش وتجهيز المسجد وساحته الخارجية، بل تبرع أيضا بإنشاء قاعة لتعليم الحاسب الآلي للطلاب بمبلغ تجاوز الـ50 ألف ريال، ومن باب العرفان ورد الجميل له من قبل مدير المدرسة والمعلمين تم إعداد حفل لتدشين القاعة والمسجد والساحة الخارجية وكان متواضعا وقريبا من الجميع كعادته ورغم مرور 16 عاما إلا أن هذا المسجد سيظل شاهدا على مبادرة هذا الرجل العظيم وعطائه الإنساني.
ومن الأعمال التي ستظل خالدة ولن تندثر بعد رحيله جائزة الأمير خالد السديري للتفوق العلمي التي تشمل طلاب وطالبات ومعلمي ومعلمات محافظات الغاط والمجمعة والزلفي وتقام سنويا لتكريم المتفوقين علميا، ويحضرها شخصيات من أصحاب السمو الملكي الأمراء وأصحاب المعالي وطبقة رفيعة من أدباء ومثقفي الوطن، هذه الجائزة ستظل شاهدة على أن العظماء يرحلون لكن تبقى أعمالهم العظيمة لا ترحل، وسندعو الله تعالى أن تظل هذه الجائزة قائمة تخليدا لذكراه ودعما وتشجيعا لطلبة العلم، وأن تبقى منارة إشعاع للعلم والتفوق وقنديل وفاء لا ينطفئ.
رحمك الله يا أبا مشعل وأسكنك فسيح جنانه.. أرقد بسلام فإن رحل جسدك عن دنيانا فستظل روحك خالدة في أعمالك العظيمة التي تركتها وراءك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي