عالم ما بعد الأزمة ودور «الصندوق» «1 من 2»

تعرض صندوق النقد الدولي للهجوم عام 2007 قبيل الأزمة المالية العالمية، ووصفه الاقتصادي باري آيكنجرين بأنه "سفينة بلا دفة تجري على غير هدى في بحر من السيولة"، وحذر ميرفن كينج، الذي كان يشغل منصب محافظ بنك إنجلترا في هذا الوقت، من أن الصندوق يواجه خطر "فقدان أهميته".
وكانت القروض القائمة للصندوق قد تراجعت إلى نحو 11.1 مليار دولار أمريكي، وكانت تركيا هي البلد المهم الوحيد الذي حصل على قروض جديدة منه، ومع توقف النشاط نضبت مصادر الإيرادات، ولو كانت فترة الإقراض الميسر قد استمرت لكان من المحتمل للغاية إجراء إصلاحات جذرية في مؤسستي بريتون وودز، لكن أزمة عام 2008 أنهت هذا النقاش، وأصبح الصندوق جزءا أساسيا من جهود مواجهة الأزمة في ظل غياب أي بديل واضح.
وقد شهد العقد الماضي اضطرابات مالية واقتصادية وسياسية حادة، وكان عقدا جيدا بالنسبة للصندوق، فهو حاليا المؤسسة الوحيدة التي تواجه الأزمة المالية العالمية ويمتلك موارد ضخمة، كما أن خبراءه ليسوا مجرد أداة في يد المقرضين، فخلال أزمة منطقة اليورو على وجه الخصوص كانت برامج الصندوق مستقلة بدرجة كبيرة، لكن الأزمات ليست جميعها في مصلحة الصندوق، فعزوف البلدان عن الاقتراض منه قبل عام 2008 لم يكن مجرد تأثير للانتعاش الاقتصادي وتيسير الحصول على التمويل الخاص، لكنه كان مدفوعا بدرجة كبيرة أيضا بالوصمة التي صاحبت دور الصندوق في الأزمة المالية الآسيوية التي وقعت خلال الفترة 1997-1998 عندما اتهم بفرض شروط مرهقة على المقترضين دون داع.
وفي محاولة للاستجابة لهذه الانتقادات أنشأ الصندوق جهازا للرقابة الداخلية، وهو مكتب التقييم المستقل، وحث على إجراء إصلاحات أساسية فيما يتصل بإعادة هيكلة الدين السيادي من القطاع المالي ودعت إدارة جورج دبليو بوش الصندوق إلى مزيد من العمل على اختلالات الحساب الجاري في محاولة للضغط على الصين، ولم تمض فترة طويلة قبل أن يتضح أن الولايات المتحدة لم تكن لها أي نية للسماح بمراقبة الاختلالات الأمريكية أو انتقادها.
وعندما وقعت الأزمة المالية العالمية عام 2008 لم يكن للصندوق دور أساس في البداية، فظاهريا على الأقل لم تكن أزمة عام 2008 مرتبطة بميزان المدفوعات أو العملة، أي إنها لم تكن "من نوع الأزمات التي يتعامل معها الصندوق" بعبارة أخرى. وحالت إدارة بوش دون تدخل الصندوق في كوريا الجنوبية التي شهدت بالفعل تراجعا حادا في قيمة الوون في خريف 2008. وكانت ذكريات التسعينيات لا تزال حاضرة، ولم يطلب من الصندوق التدخل إلا عندما أدى تعطل أسواق الائتمان إلى توقف مفاجئ في تمويل الأسواق الصاعدة.
بدأت الأدوار الوظيفية والسياسية تتوزع بصورة ضمنية، فقد قامت السلطات الوطنية بإنقاذ الوضع المالي للمصارف، ولجأت البلدان ذات الاحتياطيات الضخمة مثل روسيا والصين إلى التأمين الذاتي وقدم الاحتياطي الفيدرالي سيولة بالدولار مباشرة إلى مجموعة مهمة من البنوك المركزية ضمت 14 مصرفا وقدم الصندوق تسهيلات لبلدان أخرى مع تصميم الدعم حيث ينطوي على أقل قدر من التدخل، وأتاح للمكسيك وبولندا الاستفادة من أحد خطوط الائتمان المدن الجديدة. ونتج عن حجم الإقراض المرتبط بالأزمة والحاجة إلى توسيع نطاق التمويل المقدم من الصندوق تأثير إيجابي حيث أرغمت السلطات في الغرب والاقتصادات الآسيوية الصاعدة على الموافقة على إعادة موازنة حصص العضوية وحقوق التصويت، وفي اجتماع مجموعة العشرين المنعقد في لندن خلال نيسان (إبريل) 2009، تمت الموافقة على زيادة الطاقة الإقراضية للصندوق بثلاثة أضعاف إلى 750 مليار دولار أمريكي.
ومن الجدير بالذكر أن الصندوق كان الأداة المختارة للتدخل العالمي من جانب إدارة الرئيس أوباما ومحور اهتمام الصين، فعندما دعا زو زياوتشوان، محافظ بنك الشعب الصيني، إلى توفير بديل لنظام العملة القائم على الدولار في آذار (مارس) 2009، استند في مقترحه إلى حقوق السحب الخاصة وهي عملية الاحتياطي المستخدمة في الصندوق، واستوحاه من اتفاقية بريتون وودز، كذلك فضلت ألمانيا الصندوق على المؤسسات الأوروبية كأداة لمواجهة الأزمة... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي