الشراكة مع كوريا مهمة لنا

رغم أننا نتحدث كثيرا عن التنمية في دول شرق آسيا بصفة العموم وبوصفها إقليما واحدا، إلا أن التجربة التنموية لهذه الدول ليست متشابهة بل هي تجارب مختلفة؛ ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام؛ فالتجربة الأولى أو العالم الأول في شرق آسيا هي اليابان ومعها مستعمراتها السابقة التي تأثرت بها وهما كوريا وتايوان، والتجربة الثانية هي البلدان التي استعمرتها الدول الغربية وهي هونج كونج وإندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة، والتجربة الثالثة هي الصين وهي تجربة تنموية متفردة يصعب تكرارها نظرا لتوافر العمل الرخيص الذي قامت عليه.
بالتأكيد، فإن أبرز ما يمكن ملاحظته على التجارب التنموية لهذه الدول مع اختلافها هو: أولا: أنها اختصرت فترة التنمية والتقدم والنهوض من مجتمعات متخلفة إلى مجتمعات صناعية منتجة ومنافسة خلال سنوات قليلة لا تتجاوز 30 عاما، وبالتالي فإن كانت كتب التنمية تتحدث عن نحو 200 عام من التجربة والخطأ قبل انطلاق الثورة الصناعية في الغرب، فإننا نتحدث في تجربة شرق آسيا عن سنوات لا تتعدى عقدين أو ثلاثة من الزمن فقط.
ثانيا: أن نجاح التجارب التنموية في دول شرق آسيا - مع اختلاف درجة النجاح من دولة إلى أخرى - كان معتمدا أو مسبوقا باستراتيجيات وخطط تنموية مصحوبة بكفاءة وفاعلية في الإدارة الحكومية التي خططت وأنجزت هذه التنمية خلال وقت يعد قصيرا مقارنة بتجارب التنمية في دول أخرى كالبرازيل والأرجنتين وغيرهما التي بدأت بتحقيق تنمية جيدة إلا أنه لم يكتب لها الديمومة والاستمرار.
بالعودة لتجربة كوريا التنموية، فلاشك أن برنامج Saemaul Undong ويعني بالكورية "حراك المجتمع"، الذي انطلق في 1971 كان أهم التحولات التي أسهمت فيما بعد في النجاح الكبير لتحول كوريا للتصنيع، ورغم أن البرنامج كان موجها للمناطق الريفية إلا أنه كان أحد العوامل التي أسهمت في التسعينيات في تحول اقتصاد كوريا نحو الصناعة المعقدة مثل الإلكترونيات والسيارات والحواسيب والهواتف المتطورة وهي منتجات ساعدت على تقليل التوجه للزراعة وتصدير المواد الخام التي كانت تعتمد عليها كوريا قبل تحولها للصناعة المتطورة.
وما يميز هذا البرنامج أن المناطق الريفية لم تترَك بل وصلها التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية، وأصبحت تدعم الصناعة بمدخلات الإنتاج وبالشباب المؤهل تعليميا، كما تبنت كوريا فيما بعد برنامجا لتقليل الفقر ونجحت فيه نجاحا كبيرا.
وللمثال، فقد كان معدل الدخل الفردي للمواطن الكوري في الستينيات الميلادية لا يجاوز 82 دولارا للفرد، ودخل الصادرات الكورية أقل من 40 مليون دولار، ولكن بنهاية 2016 أصبح معدل الدخل السنوي للفرد يزيد على 27 ألف دولار، وأصبحت كوريا من أفضل عشر دول في العالم في الصادرات بما يزيد على 560 مليار دولار سنويا.
في السعودية، لنا تجارب ممتازة مع الشركات الكورية في السبعينيات والثمانينيات الميلادية في مجال الإنشاءات والمباني والطرق والكهرباء، وما زال كثير منها شاهدا إلى اليوم على إتقان الشركات التي قامت بتنفيذها لعملها.
ولأن هذا المقال يتزامن مع زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لكوريا، ولأن لدينا اليوم خطة تنموية متعددة الأوجه والمراحل تمثلها "رؤية المملكة 2030"، كما أن لدينا انتفاضة كبيرة لتحسين الأنظمة الحكومية الداعمة للشراكة والانفتاح وتفعيل الحوكمة وقياس النتائج والمحاسبة، فإني أتمنى أن تسفر الزيارة عن اتفاقيات شراكة كبيرة بيننا وبين الكوريين.
وما أعرفه شخصيا أن الكوريين منفتحون ومستعدون للشراكة، ولديهم هيئة ضخمة لتنمية التجارة الخارجية تسمى Kotra، ومنظمة تضم تجمعا لرجال الأعمال والمستثمرين الكوريين تسمى Kita، وهاتان المنظمتان راغبتان في الشراكة مع المملكة، كما وقعنا معهم في عام 2017 "الرؤية السعودية - الكورية 2030"، وهو ما يدعم الشراكة بين البلدين.
ولأن كوريا جاوزت تجارتها الخارجية تريليون دولار في 2012، وتسعى لزيادتها إلى تريليوني دولار بنهاية 2020 فإني أعتقد أن فرص التجارة والشراكة والتبادل التقني معها، والاستفادة من تجربتها التعليمية والبحثية ستكون أيسر لنا وأقل تكلفة من غيرها من الدول والشركات. ولذا آمل ألا نكتفي بتوقيع مذكرات تفاهم MoU سرعان ما تنسى في الزحام، بل أتمنى من هيئة الاستثمار وهيئة التجارة الخارجية متابعة الاتفاقيات والحرص عليها حتى تكون الشراكة واقعا حقيقيا مؤثرا في سوقنا وفي تطوير مهارات شبابنا وفي نقل التقنية لشركاتنا، وسلامتكم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي