الشركات الرقمية تفجر 3 مفاهيم أساسية «1من 2»

حتى الوظائف المملة، مثل تنظيف وإعادة ترتيب الملفات القديمة، قد تقود إلى أفكار مهمة. فوجئت خلال تصفحي ملفاتي، بوجود كنز من الذكريات القديمة والأمور المنسية. من ضمن تلك الملفات، وجدت دفاتر ملاحظات تعود إلى فترة دراستي للهندسة؛ حيث أدركت أني لم أعد أتذكر الصيغ الرياضية التي كنت أبرع فيها، فضغوط العمل اليومية أسهمت في تشويش رؤيتنا.
ومع ذلك، هناك بعض المفاهيم الأساسية التي صمدت مع الوقت، أغلبيتها علاقات بسيطة بدهية، مثل استقراء التوجهات، ومنحنى وحجم الانخفاض في التكلفة، الذي يزداد مع زيادة حجم الشركة.
بالنسبة لمعظمنا، يبقى ذلك في أذهاننا ويكون مفيدا في العالم التناظري الذي كانت فيه البضائع نادرة وتكلفة التعاملات باهظة. ولكن مع تحول عالم الأعمال إلى الرقمية، تم تطبيق قواعد وعلاقات أخرى. فإذا ما كانت المنحنيات والمفاهيم القديمة متأصلة، قد نجازف باتخاذ قرارات خاطئة بالاستناد إلى أفكارنا المسبقة. فما هي أكبر مخاطر الاعتماد على منحنيات حقيقية ومجربة في السابق؟
بصفتي عضوا في مجلس إدارة، أشعر بالتوتر الشديد عندما أرى رسومات بيانية، بحيث تكون النتائج الأولية متواضعة لتتحسن بعد ذلك بشكل ملحوظ بعد بضع سنوات. أدمغتنا مبرمجة لتوسيع خبرتنا بالأمور المستقبلية، لذلك من الطبيعي أن نشعر براحة أكبر بوجود خطط عمل تظهر تحسن النمو في الماضي باستخدام خطوط بيانية. ينطبق ذلك على الصناعات الناضجة، لكن في حال كان القطاع الذي تعمل فيه متأثرا في العالم الرقمي، تصبح الفرضيات حول النمو التدريجي ليست ذات صلة.
من النادر أن يبدأ الابتكار الرقمي بقوة، ففي كثير من الأحيان، هناك فترة تحدث فيها ضجة، لكن بتأثير محدود. ومن ثم يتم تقبل الخدمة الرقمية الجديدة فجأة ضمن منحنى حاد. أحد الأمثلة البارزة على ذلك، تبني الإنترنت على أجهزة الهاتف المحمول بسرعة، عقب سنوات مضنية في الحياة الرقمية.
العالم الرقمي عرضة بشكل خاص لنقاط تحول بسبب تبني أنماط ومنظومات معينة. فدورة حياة اعتماد تكنولوجية معينة، كما وصفها إيفريت روجرز وجاء بعده جيفري مور ليقوم ببعض التعديلات، مجموعة صغيرة من المبدعين ممن لديهم تابعون، نقطة تحول من المتبنين الأوائل إلى الأغلبية الأولى. ففي العالم الرقمي، يكون المنحنى أكثر حدة طالما تنجح الابتكارات الجديدة في تحقيق الانتشار بسرعة.
كما أشار رون آدنر في كتابه "العدسة الواسعة" The Wide Lens، إلى أن منظومة الحواجز تنشأ إما بسبب حاجة اللاعبين المختلفين في القطاع إلى الوقت لتأسيس قواعد جديدة حول الآلية التي يجب أن يتفاعلوا بها مع بعضهم، وإما عدم استفادة بعض اللاعبين من الابتكار. فعلى سبيل المثال، في الإعلانات يواصل المهنيون شراء مساحات في وسائل الإعلام التقليدية على الرغم من تراجع عدد المشتركين والقراء. يدرك المعلنون ذلك، لكن سلسلة القيمة في الإعلانات الرقمية قيد التأسيس، وتفتقر وكالات الإعلان إلى المهارات والحوافز المادية للتحول من الإعلام التقليدي. فقط في الآونة الأخيرة، وجد عمالقة التكنولوجيا السبيل لتبسيط تصميم وتسعير وتحليل الإعلانات الرقمية، ما أدى إلى نقطة تحول في التسويق الرقمي.
عندما تتحرك الصناعات نحو الرقمية، يجب أن يتنبه المديرون ومجالس الإدارات إلى نقاط التحول المحتملة. كما تحتاج الشركات إلى أن تكون على بينة بمنظومة الحواجز، وإلى أي مدى بإمكانها اختراقها.
اعتدنا على النموذج التقليدي الذي يعتمد على ندرة البضائع ورفع الأسعار. تتحمل الأطراف تكاليف المعاملات عند البحث عن المنتج واختيار البديل الأفضل والتفاوض على السعر وضمان استيفائه. في ظل تلك الظروف، تميل منحنيات الطلب إلى اتخاذ شكل الجرس.
في حال رغبنا في حجز تذكرة طائرة على سبيل المثال، وكانت تلك التي نريدها قد بيعت في الوقت الأكثر طلبا، نبحث عن أفضل البدائل، إما التذكرة الأغلى في الوقت المناسب، وإما التذكرة الأرخص، لكن في الوقت الأقل ملاءمة.
أشار كل من إريك برنجولفسون وأندرو مكافي في كتابهما "عصر الآلة الثانية" The Second Machine Age إلى أن تلك القواعد البسيطة المتعلقة بتوافر المعروض وتكلفة التعاملات لا تنطبق على العالم الرقمي، فالبضائع لم تعد نادرة اليوم ولا تتعرض للتلف؛ حيث بالإمكان نسخها بسهولة وتوزيعها حول العالم دون تكلفة تقريبا، فكلما كانت السلعة أو الخدمة الرقمية أفضل قليلا من منافستها التناظرية، يسعى المستهلكون إليها، فكون عامل الندرة لم يعد جزءا من المعادلة، فإن المنحنى العادي لم يعد موجودا. وبدلا من ذلك، يحصل أفضل أداء على حصة الأسد من الإيرادات... يتبع.

المزيد من مقالات الرأي