يا نفسية

في الأسبوع الماضي تحاورت مع الدكتور عبد الرزاق الحمد حول مفهوم خاطئ يجعل كثيرين يعتقدون أن ما يحدث للمريض النفسي من أمراض نفسية إنما عقاب نتيجة بعده عن الله تعالى، في الوقت نفسه الذي يعدون فيه أن المرض العضوي تطهير وابتلاء.
كانت وجهة نظر الدكتور الحمد وجهة نظر علمية ممزوجة بعمق ديني عميق تجعلك تشعر بالرثاء على كثير من العقليات السطحية في المجتمع، التي تقفز على النتائج وتحكم على المرضى النفسيين بأحكام جائرة فتزيدهم فوق الهم هما، من أروع عبارات الدكتور خلال هذا الحوار قوله "الإنسان المؤمن ليس محصنا ضد المرض النفسي، فالمزاج يقوم على توفر مواد كيميائية وناقلات عصبية بين الخلايا في الدماغ ولو ابتلي الإنسان بضعف في خلايا الدماغ في مراكز معينة ونقصت هذه المواد فسيكتئب وهو مؤمن.. وهو تقي .. وهو محسن.. وهو في أعلى مراتب الإيمان".
مع الأسف ما زالت نظرة الكثيرين نحو المرض النفسي ظالمة ومجحفة، فحتى الأهل أنفسهم يحاولون بكل ما أوتوا من قوة أن يخفوا إصابة أحد أبنائهم بالمرض النفسي وكأن ذلك بمنزلة العار في نظرهم ، وفي الوقت نفسه هم لا يجدون حرجا أن يعلنوا أن ابنهم أو ابنتهم " صاكته عين "أو" ملبوس وفيه جني " أو مسحور، بل إنه عادي عندهم أن يذهبوا به إلى عشرات الرقاة وعادي أيضا أن "يتفل" الراقي في وجهه أو "يمحطه" بعصاه حتى يخرج قبيلة الجن التي تسكن جسده، لكنهم يرتعدون رعبا وهم يدخلون عيادة الدكتور النفسي خشية أن أحدا يشاهدهم، ويعرفهم فيكتشف الأمر، هذا التناقض والخلط العجيب للمفاهيم يجب أن يتم تصحيحه من قبل عقلاء المجتمع وأهل الاختصاص، فالمرض النفسي إنما هو بسبب نقص كيمياء معينة ما يستلزم تدخلا دوائيا أو سلوكيا مثله مثل الضغط والسكري وقرحة المعدة وغيرها من الأمراض .
موقف الفنانة "بلقيس" حين خرجت وتحدثت بكل ثقة عن إصابتها بالرهاب الاجتماعي وكيف تخلصت منه، هو موقف نبيل وإنساني يحسب لها وأظن أنه سيمنح الإلهام لكثيرين من مرضى الرهاب وسيشعل قناديل الأمل في دواخلهم بأنهم يوما ما سيتغلبون عليه.
المرض النفسي ليس عارا ولا عيبا ولا يعني إصابتك به أنك إنسان عاص و"قليل إيمان" ومغضوب عليك، إنما العيب في تلك العقول الجاهلة التي تحمل مفاهيم خاطئة وتحاول تعميمها، بل أصبحوا ينادون الشخص المعقد "يا نفسية"!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي