لهفة الأشقاء .. استراتيجية حاضرة

لم تتوقف المملكة والإمارات يوما عن التدخل في الوقت المناسب في قضايا ومسائل تخص أشقاءهما العرب على وجه الخصوص، وتلك التي تخص شعوب العالم بشكل عام. وهذه الاستراتيجية التي وضعها البلدان ليست جديدة، بل تعود إلى تاريخ تأسيسهما حقا، ولم تتبدل على الرغم من متغيرات مرت، ومصاعب حدثت، ومشكلات وقعت. فالمصلحة العربية العامة تبقى في المقدمة رغم كل الظروف والمعطيات، ومن حق الشعوب العربية أن تعيش بكرامة وعزة، وأن يزاح الظلم عنها. إنها مبادئ عملت وتعمل عليها السعودية والإمارات. والتاريخ يشهد بجدوى تحرك هذين البلدين في أوقات المحن والازدهار أيضا، وكيف أنهما وقفا مع الحقوق ضد مغتصبيها، ومع المصلحة ضد من يسعى للنيل منها. لم يقدما الأموال فقط، بل قدما التضحيات والشهداء أيضا من أجل الحق والعدالة.
من هنا يمكن النظر إلى إعلان الرياض وأبوظبي تقديم دعم إجمالي يصل إلى ثلاثة مليارات دولار للسودان الشقيق. هذا البلد الذي يحظى باحترام وحب وتقدير من جانب المملكة والإمارات وشعبيهما. والسودان يمر الآن بمرحلة تغيير، وكل شيء خاضع لإعادة النظر على الساحة السودانية. الأهم ألا تنتشر الفوضى خلال عملية التغيير، كما حصل في بعض البلدان العربية الأخرى. والشعب السوداني أثبت بالفعل حكمة كبيرة، ضمنت له التغيير مع الاحتفاظ بمؤسساته الخاصة به. وهذا هو النجاح الذي يمكن أن يتحقق في أي عملية تغيير بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى. ورغم أن التغيير السوداني يتم بهذا الهدوء، إلا أن البلد يحتاج إلى المساعدة من أشقائه. فالمرحلة تتطلب كثيرا من الدعم في كل النواحي.
من الثلاثة مليارات دولار هناك 500 مليون دولار مقدمة من الرياض وأبوظبي كوديعة في البنك المركزي السوداني. وهذا يستهدف بالتأكيد تقوية المركز المالي للبنك في هذا الوقت بالذات. وهذه التقوية ستخفف تلقائيا الضغوط التي يتعرض لها الجنيه السوداني. ففي مثل هذه الأوضاع تتعرض العملات الوطنية للضغوط والمخاطر، بل حتى في التغييرات السياسية العادية تصل هذه الضغوط للهبوط. وبهذه الوديعة سوف يتماسك الجنيه، ويحافظ التضخم على مستوياته بالطبع. وهذا الأخير مرتفع جدا في السودان قبل وبعد التغيير الذي نراه حاليا. أي ببساطة ستكون هناك سيطرة على هذا الجانب المعيشي الحيوي العام، في الوقت الذي ستوجه فيه الأدوات المساعدة الأخرى لنواح أخرى في هذا البلد.
ما تبقى من الأموال التي تم رصدها من قبل المملكة والإمارات العربية سيذهب بالطبع لتلبية احتياجات الشعب السوداني، في هذا الوقت بالذات. فهذا الشعب كان يمر أصلا بأزمات اقتصادية لأسباب متعددة، من بينها بالطبع سوء الإدارة السياسية، وخوفا من أن تتعمق هذه الاحتياجات ستكون هنا أموال كافية لسدها على مختلف الأصعدة، وتحديدا في مجالات الغذاء والدواء، وبالطبع المشتقات النفطية.
لن يكون السودان وحده عندما تواجهه الأزمات، طالما هناك بلدان أحبا أشقاءهما من المحيط إلى الخليج هما السعودية والإمارات. من أهم مزايا مثل هذه المساعدات والدعم على اختلاف أدواته بشكل عام، أنها لا ترتبط بأي عوائد سياسية تسعى لها العاصمتان العربيتان الرياض وأبوظبي. إنها مساعدات محقة من شقيق لشقيقه، هذا هو كل ما في الأمر. المقابل المطلوب حقا أن تمر الأزمة في السودان بسلام، ويعيش الشعب السوداني الشقيق في أمن وسلام ورخاء وازدهار. هذه هي الجائزة (المقابل) التي تسعى إليها المملكة والإمارات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي