التحول الرقمي وجوهر الأعمال

نسمع غالبا أن جهود التحول إلى الرقمية يجب أن تكون مدفوعة من قمة الهرم "الإدارة العليا". فهي تتطلب اهتمام الإدارة ووضع خطط متكاملة تجعل الرقمية من الهياكل الأساسية للمؤسسة. لكن المعنى الحقيقي لها نادرا ما يكون واضحا. فالتحضيرات الهيكلية التي تقوم بها الشركات في هذا الإطار تأتي بأهمية قرارها بالتحول إلى الرقمية في المقام الأول.
كما اكتشفنا خلال مقابلات أجريناها لمصلحة مقال بحثي حديث مع تنفيذيين في بداية رحلتهم إلى الرقمية، أن الرقمنة تبدأ على يد خلية صغيرة، كفريق عمل أو وحدة معينة "على الأغلب من أقسام تكنولوجيا المعلومات". لكن من غير المتوقع أن تصبح تلك الجهود في صلب استراتيجية الشركة، إلى أن تقوم الإدارة بوضع سياسات وهياكل واضحة على مستوى رفيع "كأن تكون مرتبطة كليا بالإدارة".
تبقى مشكلة المشاريع الرقمية الناشئة، في كونها تفتقر غالبا إلى المشروعية والسلطة والتكامل مع استراتيجية الشركة. يجب أن تأتي الالتزامات الاستراتيجية من الإدارة العليا، بشكل يتيح فرص النمو لتلك الخلية الصغيرة لكي تصبح جزءا من العمليات الاستراتيجية للشركة.
كمثال على ذلك: الكتب الإلكترونية. أخبرنا أحد الأشخاص الذين قابلناهم من دار نشر عالمية أنه: "لم يتحمس الناشرون للكتب الإلكترونية. ولم يتصوروا أنها ستدر عليهم أرباحا كبيرة، وذلك ما حصل في البداية". النقطة الأهم، أنها لم تكن جزءا من نظام الحوافز والإنجازات الذي يتطلعون إليه. تطلب الأمر في البداية إحداث تغييرات جوهرية في نظام حوافز الإدارة، ووضع سياسة مشتركة حول كيفية التعامل مع الوكلاء والمؤلفين: "كانت هناك نقطة تحول ليبدأوا في تقبل الوضع الجديد".
المقصود هنا، أن التغييرات الرقمية قد تؤدي إلى تغييرات جوهرية بطريقة العمل، وتؤثر في طريقة قيام الأشخاص بعملهم. وعادة ما يكون لها تأثير غير مباشر مع إشراك مختلف الهياكل "الحوافز، آلية صنع القرار، سياسات العملاء، آليات الربط..." التي تتطلب بدورها إعادة تقييم وربما تعديلا.
يظهر هذا المثال التأثير الإيجابي لالتزام الإدارة العليا بالمبادرة الرقمية، وجعلها جزءا من استراتيجية الشركة. أعطت الدراسة التي قمنا بها أيضا انطباعا عاما عن كيفية سحب الهيكلة الرقمية على جميع الهياكل.
من الملاحظ أن أغلب المشاريع تبدأ على نطاق محدود. وقد يعني ذلك أنها قد تكون متعددة وتتطلب الدمج.
ترشيد أو مركزية الأشياء الرقمية قد يكون أمرا ضروريا في النهاية. وكما قال أحد المديرين: "كان هناك أكثر من فريق يعمل على أحد خطوط الإنتاج المختص بتطوير المنتجات الرقمية والتكنولوجيا. لم تكن الصورة واضحة، وكونهم مجموعات صغيرة لم يكن لديهم إدارة مختصة بالرقمنة. لذا قمنا بتوحيدهم في فريق واحد كبير".
يتطلب تطوير إحدى المبادرات الرقمية وتوسيع نطاق تأثيرها إعادة دمجها في صلب العمل، ويمكن أن يتم ذلك بعدة طرق. لا توجد طريقة واحدة لدمج الرقمية مع النشاطات المعتادة بل يعتمد ذلك على السياق الموجودة فيه.
يوجد مسار واحد مهم، وهو رقمنة الأعمال الحالية. بالعودة إلى الكتب الإلكترونية، أخبرنا شخص آخر من الذين أجرينا معهم مقابلات أن الرقمنة لطالما انتمت إلى قسم تكنولوجيا المعلومات في البداية: "أنشأنا قسما مختصا بالكتب الإلكترونية، من إنتاج واستراتيجية مع مسؤول مبيعات". كانت جهودنا في نهاية المطاف "لا مركزية" وصبت في جميع وحدات النشر الموجودة: "اليوم مسؤول الإنتاج الورقي هو المسؤول عن الكتب الإلكترونية أيضا".
يمكن للأعمال الرقمية التي تنمو بشكل سريع أن تصبح وحدة مركزية، وتستولي على أجزاء من الأقسام القديمة. على سبيل المثال، قال أحد الأشخاص من إحدى المجلات، إن المنتجات الرقمية في مؤسسته بدأت ككيان مستقل ذي إدارة منفصلة. وأضاف: "تغير الأمر اليوم. وأصبح المجالان متكاملين بشكل أكبر، ويوجد عديد من القطاعات التي تجمع بين الاثنين". وتوجد عدة قطاعات تجمع بين الاثنين أيضا. وفي إحدى الحالات، أصبح مسؤول الإنتاج الورقي، مسؤولا عن الطباعة والرقمية، وفي حالات أخرى، كان مسؤول الإنتاج الرقمي هو المسؤول عن القطاعين (الرقمي والورقي). ما يعطي مثالا جيدا على سرعة نمو الرقمية، وربما عدم القدرة عن الاستغناء عنها مستقبلا. على حد قول الشخص الذي أجريت معه المقابلة.
أخيرا، في بعض الحالات، قد يكون كلا القسمين قويا وقابلا للنمو من تلقاء نفسه. وقد يكون بعض أشكال الهياكل المصفوفية أمرا ضروريا بهدف تخفيف احتمال التكرار، ومشاركة الأفكار والابتكار. ويشمل ذلك جعل بعض الوحدات الرقمية المركزية "مثل التسويق الرقمي، وتطوير التكنولوجيا الرقمية" متاحة للجميع.
على الرغم من كون المقابلات التي أجريناها لم تكن شاملة، إلا أنها استطاعت أن تسلط الضوء على المسارات التي يمكن أن تتخذها المؤسسات في رحلتها الرقمية للارتقاء بخبراتها الرقمية ودمجها في أعمالها في نهاية المطاف. إظهار مرونة في التعامل مع الهياكل وإعطائها فرصة للتطور لمواكبة الفرصة المتاحة هي المفتاح الرئيس. ويمكن أن يوجد التغير للرقمية حالة من المقاومة. أحدها لا يحتاج إلى إمعان النظر لرؤية التحديات المقرونة بالمؤسسات المصفوفية، على سبيل المثال، فجعل المبادرات الرقمية جزءا من عمليات الشركة أمر، وجعلها جزءا من ثقافة المؤسسة أمر آخر تماما.

المزيد من الرأي