نفط إيران يتبخر

كما كان متوقعا، تتعاظم الخسائر التي تضرب صناعة النفط في إيران، مع التأثير الكبير للعقوبات الأمريكية الأخيرة التي فرضت على النظام الإرهابي الطائفي هناك. والحق أن الأزمة التي يمر بها هذا القطاع الحيوي جدا في البلاد، بدأت حتى قبل الموجة الثانية من العقوبات المذكورة، وظهرت بوضوح في توقف الاستثمار في المنصات الإيرانية، في أعقاب الانهيار المتواصل للعملة الوطنية، وتحويل موارد الدولة إلى تمويل الإرهاب بأشكال مختلفة، بما في ذلك الإنفاق على العصابات والميليشيات الشيعية في سورية، وامتصاص حزب الله الإرهابي الجزء الأكبر من هذه الموارد، فضلا عن تمويل منظمات في دول عديدة، إضافة إلى ما يقدمه نظام علي خامنئي لعصابات الحوثيين في اليمن. أي أن القطاع الأهم في إيران (وهو النفط) يواجه تقتيرا في الإنفاق، ما تسبب في تراجع فني للإنتاج النفطي.
المهم، أنه على الرغم من إعفاء الولايات المتحدة عددا من البلدان من المقاطعة ولا سيما فيما يتعلق بقطاع النفط، إلا أن هذه الدول فضلت إنهاء عقودها مع طهران وإن كان ذلك بصورة تدريجية. والإعفاء الأمريكي لثماني دول ينتهي في الواقع في شهر أيار (مايو) المقبل، ما دفع الحكومات في هذه البلدان إلى اتخاذ الحذر والحيطة من الغضب الأمريكي بهذا الشأن، إذا ما استمرت واردات النفط الإيراني تتدفق إليها. واللافت أن بعض هذه الدول قرر حتى عدم الاستفادة من الإعفاء المشار إليه، وتوجه إلى مصادر أخرى للنفط، بما في ذلك الهند والصين وغيرهما. أي أن الكماشة أطبقت نهائيا على عنق الاقتصاد الإيراني. وهذا الأخير لا يتمتع بأي بدائل أخرى للدخل الوطني، ولم يطور أي آليات اقتصادية تضمن التنوع الضروري في أوقات الأزمات أو الانفراجات.
بعد نكران بائس من قبل النظام الحاكم في إيران، بعدم وجود أزمة اقتصادية، لم تستطع أركان هذا النظام الإرهابي مواصلة النكران. واعترفوا الواحد تلو الآخر بوجود أزمة خطيرة للغاية، وأنها تتفاقم يوما بعد يوم. ورغم أن البعض حاول تحميل الرئاسة المسؤولية، إلا أن الجميع يعرف أن المصيبة يتحملها نظام علي خامنئي مباشرة. ففي إيران لا توجد إلا سلطة واحدة، هي سلطة المرشد، الذي يسيطر عمليا على أكثر من 55 في المائة من المداخيل الوطنية للبلاد. وأثبتت الوثائق والمعلومات التي توصلت إليها البلدان المحورية، أن خامنئي وعصاباته يسيطرون في الواقع على أكثر من 90 مليار دولار، ولا تدخل هذه الأموال في دفاتر الدولة! أي أن الفساد سبق العقوبات بعقود وليس سنوات.
والمصيبة الكبرى التي تواجهها إيران ليست محصورة فقط في مصاعب تصدير النفط، بل في التعامل المالي على نطاق عالمي. فكل التعاملات المالية الإيرانية تخضع للعقوبات الأمريكية، وحتى المحاولات الأوروبية للالتفاف حولها باءت بالفشل، حتى الآن على الأقل. ولا يبدو أنها ستنجح في المستقبل، مع وجود معارضة كبيرة على الساحة الشعبية الأوروبية للتعامل مع النظام الإرهابي الإيراني. الوضع النفطي في إيران يسير من سيئ إلى أسوأ، ولا توجد في الأفق أي إشارة إلى إمكانية التحسن طالما بقيت العقوبات الأمريكية الصارمة على الساحة. فالشحنات النفطية تتوقف الواحدة تلو الأخرى، والمستوردون يفضلون التوجه إلى مصادر أخرى أكثر أمانا واستدامة، فضلا عن مصادر يمكنها التعامل ماليا دون أي رقابة أمريكية أو غيرها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي