الاقتصاد الإيراني بعد 40 عاما «2»

قبل عدة أسابيع ذكر الرئيس الإيراني حسن روحاني أن إيران لم تواجه صعوبات اقتصادية بهذا الحرج منذ 40 عاما. بعيدا عن التأويلات والاعتبارات السياسية هناك حالة عامة تواجه الحياة المعيشية للمواطن يعبر عنها التضخم والبطالة والدخول المنخفضة وأحيانا الفقر ومستوى سعر الصرف. قبل الدخول في تفاصيل هذه العوامل لابد من ذكر أن إيران سعت قدر الإمكان للاستقلال الاقتصادي ولذلك تحاول جاهدة الحفاظ على توازن أو فائض في ميزان المدفوعات التجاري والجاري أحيانا بما في ذلك تفادي الدين بعمليات أجنبية، وكذلك من خلال سياسة تصنيع لاستبدال الواردات في السلاح وبعض السلع الصناعية وحققت بعض النجاحات. يخضع الفائض غالبا لحجم تصدير النفط وأسعاره لأن إيران لا تصدر كثيرا غير النفط ومشتقاته. تاريخيا إيران بلد تجاري لكن بعد الثورة أصبح أكثر انغلاقا على العالم؛ فصادرات إيران تصل نحو 13 في المائة من الدخل القومي الإجمالي، بينما المتوسط العالمي يصل نحو 21 في المائة، فمثلا نحو 37 في المائة من صادرات إيران تذهب إلى الصين وجزء أقل إلى تركيا. وجدت إيران منفذا اقتصاديا في العراق لكنه قد يكون مؤقتا حتى يتعافى العراق خاصة أن إنتاج العراق من النفط أعلى من إيران والحالة المالية العامة أفضل. هذه العزلة والتعود عليها قد تعطي إيران درجة من الاستقرار لكنها لا تعطيها ديمومة، فهي توازن أقل بكثير من الكامن وطموح وتطلعات العامة.
منذ الثورة ومتوسط نسبة التضخم نحو 19 في المائة سنويا وبتذبذب عال، فبعد الاتفاقية حول السلاح الذري بين إيران ومجموعة الدول الست انخفض التضخم إلى نحو 10 في المائة ولكن عاود الارتفاع على أثر انسحاب أمريكا وحضر النفط الجزئي؛ طبقا لمركز أبحاث المجلس "البرلمان" وصل التضخم في سبتمبر الماضي نحو 5.5 أي بمعدل تراكمي سنوي نحو 80 في المائة. كذلك تبلغ نسبة البطالة الرسمية نحو 12.5 في المائة وغير الرسمية تقدر بنحو 18 في المائة ونحو 30 في المائة بين الشباب والشابات، كما تبلغ مشاركة المرأة مستوى متدنيا عند 16 في المائة رغم تساوي البنات والأولاد في التعليم الجامعي. تذكر وزارة التعليم أن نحو 20 ألفا يتقدمون سنويا للحصول على الدكتوراه، ولكن أربعة إلى خمسة آلاف فقط يحصلون على وظائف مناسبة لتعليمهم، البعض يعمل كسائق تاكسي. هذه الظروف الاقتصادية قادت إلى تطور مختلف سكانيا لإيران عن دول المنطقة الأخرى.
ففي العقد من 2007-2017 ارتفع سكان الدول العربية بنسبة 25 في المائة ومصر وحدها بنسبة 25.6 في المائة وتركيا بنسبة 15.5 في المائة وإسرائيل بنسبة 20 في المائة وإيران بنسبة 12.5 في المائة، بل يقال إن إيران أول دولة في العالم خاصة طهران قد تكبر قبل أن تصبح غنية كما حدث في كثير من الدول المتقدمة، فنسبة الخصوبة في طهران على الأقل وصلت إلى أقل من 2 في المائة "النسبة التي يبدأ السكان فيها بالتناقص". هذا التطور مصحوب بقرب نهاية عهد الخامنئي الذي يحكم منذ 1989 وتطورات الصناعة النفطية في إيران، حيث تعاني نقصا مؤثرا في التحديث والاستثمارات الرأسمالية وأخيرا بدا جيل الثورة والحرب التي كان لها دور كبير في تشكيل تفكير الطبقة الحاكمة في الأفول؛ منذ 2009 وحركات المعارضة في تصاعد وتراكم من حيث المسببات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ولكن يصعب التنبؤ بالتطورات الكونية ونتائجها في ظل متغيرات وظروف داخلية وخارجية لكنها في الأغلب سلبية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي