السياحة المظلمة

أغلبنا، أو بالأصح جميعنا، نعشق السفر والسياحة، وكلما تسنت الفرصة لنا لنهرب من هموم العمل وأعباء الحياة إلى أماكن توفر لنا الراحة والهدوء أو المتعة والتسوق، شددنا الرحال إليها، أما أن تسافر أو تذهب للسياحة من أجل حضور، أو مشاهدات أماكن الكوارث والجرائم والحروب، فهذا من أغرب أنواع السياحة، ويطلق عليها "السياحة المظلمة".
عرفت هذه السياحة التي تهتم بالسفر إلى أماكن ارتبطت تاريخيا بالموت والمآسي الإنسانية، منذ القرون الوسطى، حيث كان الناس يشدون الرحال إلى ساحات الإعدام لمشاهدة عمليات الإعدام العامة، ولم توثق رسميا كسياحة متعارف عليها إلا في عام 1988 بعد ذكرها في كتاب عن السفر بعنوان "الأعياد في الجحيم". وفي عام 1996 لقي موضوع السياحة المظلمة اهتماما أكاديميا من قبل عضوي هيئة تدريس في جامعة جلاسكو باسكتلندا. وفي عام 2005 تم تأسيس معهد بحوث السياحة المظلمة في جامعة لانكشاير البريطانية. وفي 2014 ظهر عديد من الدراسات حول التصنيفات الفرعية للسياحة المظلمة، مثل "سياحة الهولوكوست".
وتشتمل السياحة المظلمة على عدة فروع أو أنواع، منها سياحة الكوارث، سواء الطبيعية أو التي تسبب فيها الإنسان، كالمناطق المحيطة بالبراكين وأنقاض البلاد التي تعرضت للفيضان، أو المناطق التي شهدت كارثة نووية كزيارة الموقع المحيط بانفجار محطة تشيرنوبيل النووية في 1986. سياحة الحروب، وهي الرحلات الترفيهية التي يزور فيها السائح مناطق الحرب النشطة أو السابقة من أجل مشاهدة المعالم السياحية أو الدراسة التاريخية، وتشمل سياحة الحرب زيارة المواقع التي شهدت معارك حربية تاريخية أو حديثة، ومقابر الجنود والمتاحف الحربية. سياحة الجيتو، التي تعنى بزيارة المناطق العشوائية أو الفقيرة، بدأت من زيارة الأحياء الفقيرة في لندن في القرن الـ19، وأصبحت في الوقت الحالي منتشرة أكثر في جنوب إفريقيا والهند والبرازيل وبولندا وكينيا والفلبين والمناطق الفقيرة في الولايات المتحدة.
وأهم مواقع الجذب لعشاق هذا النوع من السياحة تتجلى في مواقع انتهاكات حقوق الإنسان البشعة ومعتقلات التعذيب السرية، ومواقع الحروب والمجازر الجماعية، والمواقع المهمشة التي تمثل أسوأ المستويات في التنمية، وما يرافقها غالبا من عنف واستغلال وظلم، وتمتد السياحة المعتمة أو السوداء إلى مخلفات الكوارث الطبيعية، ومناطق المجاعات! الجميل في هذه السياحة، رغم الانطباع الأول عنها من الاشمئزاز والاستنكار، أن الهدف من ورائها في الغالب سام، يطلع فيها السائح على ما مر بالبشرية من ظلم وكوارث طبيعية وحروب وتعذيب ليعرف مقدار النعيم الذي يعيشه ويلمس قيمة الحضارة والعدالة الاجتماعية وأهمية مراعاة حقوق الإنسان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي