دولة الرعاية الاجتماعية مد وجزر «1»

لقد مر العالم بدروب من التغير أحدثت أثرها في الأسرة وفي مجالات العمل والمهارات المألوفة. فنجد في الاقتصادات المتقدمة خلال السنوات الأولى التي أعقبت الحرب العالمية الثانية أن معظم الناس تزوجوا واستمروا في حياتهم الزوجية. وكانت الزوجة هي التي تقوم على رعاية الأسرة، بينما يعمل الزوج لكسب العيش، من خلال وظيفة مستقرة لسنوات طويلة بوجه عام، وربما شغلها طوال حياته العملية، وعادة دون أن يطرأ أي تغير على ما لديه من مجموعة مهارات.
إن مجرد وصف هذا العالم يعطينا صورة واضحة عن مدى ما حدث من تغير. واليوم، لم يعد العمل في وظيفة واحدة مدى الحياة هو المعيار، في وقت تشهد فيه أسواق العمل تقلبات متزايدة. وأصبح لزاما على العمالة تحديث مهاراتها لمواكبة التطورات التكنولوجية السريعة، وارتفع عدد النساء العاملات بأجر بشكل كبير، وازداد عدد الزواجات التي تنتهي بالطلاق، ولم تعد الأمومة أو الأبوة مرتبطتين ارتباطا وثيقا بالزواج. وعلى مر العقود، تطورت دولة الرعاية أمام هذه التغيرات التي طرأت على الظروف الاقتصادية والديموغرافية والاجتماعية. ولا تزال تلك الظروف مستمرة في التغير على نحو يتطلب تغيير طريقة تصميم دولة الرعاية بما يجعلها تقوم بدور جوهري أكبر إن صح التعبير.
لماذا نريد دولة الرعاية؟
قبل أن نناقش مسائل بعينها علينا أن نطرح السؤال الأساسي، ألا وهو، ما الغرض من دولة الرعاية؟ أحد الأسباب المعروفة هو مساعدة الفقراء، بينما السبب الأساسي الثاني، وإن كانت درجة فهمنا له أقل، هو معالجة حالات إخفاق السوق. فقد تفتقر الأسواق إلى الكفاءة لأسباب كثيرة تناولتها كتابات مؤثرة عن اقتصادات نظم المعلومات، والاقتصاد السلوكي، والأسواق غير المكتملة، والعقود غير المكتملة، والضرائب المثلى.
وتفسر هذه المشكلات أهمية وجود دولة الرعاية وتبررها. فمعلومات المستهلكين غير الكاملة تحتم تنظيم الرعاية الصحية وصناديق معاشات التقاعد. وعدم وجود معلومات تامة لدى شركات التأمين عن خطورة حالة بعض من يتقدمون للحصول على خدماتها يفسر قيام الدولة أو المؤسسات شبه الحكومية بتوفير التأمين، ضد المخاطر الصحية أو البطالة. والسلوك الذي يحيد عن العقلانية الاقتصادية الدقيقة يدعو إلى جعل الادخار لمعاش التقاعد إلزاميا.
لهذه الأسباب، حتى لو أمكن استخدام عصا سحرية تقضي تماما على الفقر، سيظل دور دولة الرعاية ضروريا لتوفير التأمين ومساعدة الناس على التخطيط لحياتهم بإعادة توزيع مواردهم من مراحلهم العمرية الأصغر إلى المراحل الأكبر. وثالثا، فإن دولة الرعاية هي أحد عناصر السياسات التي تدعم النمو الاقتصادي (دراسةTsangarides 2014 Ostry, Berg, and) ويكتسب الاستثمار في تطوير المهارات أهمية متزايدة لتحقيق النمو والمشاركة في جني ثماره والتحويلات التي تشكل مصدرا للدخل تساعد النمو أيضا، فالقدرة على الحصول على غذاء صحي تسهم في تحسين نتائج التعليم مثلا.
وإذا جمعنا الأسباب الثلاثة معا، يمكن أن ننظر إلى دولة الرعاية كأداة للمشاركة المثلى في تحمل المخاطر؛ فنحن:
• نراها كتأمين عند الولادة للحماية ضد نتائج غير معلومة مستقبلا، وهو ما يساعد على تخفيف حدة الفقر.
• ونراها كاستجابة لحالات الإخفاق في السوق؛ فتعالج المشكلات الفنية في شركات التأمين الخاصة، ولا سيما ما يتعلق منها بالبطالة والمخاطر الطبية والرعاية الاجتماعية.
وهي تسهم في تحقيق النمو الاقتصادي من خلال المشاركة في تحمل المخاطر بهاتين الطريقتين. وبدون شبكة أمان تقل احتمالات الإقدام على مخاطر إنشاء شركات جديدة. ومن ناحية أخرى، فإن وجود مخاطر طفيفة للغاية هو أيضا وضع غير مثالي؛ كان النظام الشيوعي يوفر الحماية ضد كل المخاطر تقريبا، وتسبب بالتالي في خنق الجهود والمبادرات.. .يتبع.

المزيد من الرأي