default Author

الأجيال القادمة .. وعلاقتهم بتغير المناخ

|

إن العالم الذي نعيش فيه اليوم يختلف تماما عن ذاك الذي عاش فيه أسلافنا. ففي عام 1950، كان سكان العالم في حدود 2.5 مليار شخص؛ أما اليوم هناك أكثر من سبعة مليارات. بشكل عام، أصبح الناس أفضل صحة وأكثر ثراء وأمنا.
لكن هذا لم يكن مجانا. فالضغوط على كوكبنا هائلة، لقد غير البشر المناخ بدرجة كبيرة، كما غيروا كيميائية المحيطات، وتسببوا في عمليات انقراض جماعي. والآثار هائلة لدرجة أنها باتت تشكل حقبة جيولوجية جديدة تماما، وهي حقبة الأنثروبوسين، التي تشهد منذ خمسينيات القرن الماضي "سرعة هائلة" في نمو السكان الذين يشكلون قوة الدفع الرئيسة، فضلا عن النمو الاقتصادي واستهلاك الموارد الطبيعية.
إذن، كيف سيكون شكل العالم بالنسبة لأطفالنا؟ من المتوقع أن يصل عدد السكان إلى تسعة مليارات نسمة بحلول عام 2050. عندئذ، ربما سيعيش البشر حياة أفضل وأطول. وعلى الأرجح سيزيد إجمالي الناتج العالمي ثلاثة أضعاف، فيما سيزيد استهلاك الموارد الطبيعية بمقدار الضعف. وستظهر آثار التغير المناخي بقوة أكثر من اليوم وبات بعضها واقعا حتميا الآن. وسترتفع مستويات المياه في البحار، وسيصبح الطقس أكثر اضطرابا، وسيتقلص التنوع البيولوجي وستشتد ندرة المياه والموارد الطبيعية. وسيكون الفقراء بشكل خاص أكثر عرضة لمخاطر الكوارث الطبيعية، وتدهور التربة، ونقص المياه، والصدمات في إنتاج الغذاء.
هل يمكن للأجيال المقبلة أن تجني ثمار النمو دون أضرار؟ هل ستتيح لنا التكنولوجيا فصل النمو عن استهلاك الموارد الطبيعية؟ لا نستطيع أن نقطع بذلك على وجه اليقين، لكننا نستطيع أن نقول إننا نراهن على براعة الإنسان، وعقلانيته وقيمه. وهذا يقودنا إلى التعليم والخطوات التي نتخذها الآن لضمان تعليم كل الأطفال وتوعيتهم بضرورة احترام هذا الكوكب.
تمثل المساعدة في التحول تحديا ذا أهمية خاصة للبنك الدولي لأن جل النمو السكاني الذي ستشهده العقود المقبلة سيكون في البلدان النامية. وبحلول عام 2050، ستكون إفريقيا موطنا لما يقرب من نصف شباب العالم، وآسيا موطنا لنحو 40 في المائة. فهل ستتمكن أنظمتهما التعليمية من إعداد الجيل المقبل للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه؟ هل يستطيعان تربية جيل من مواطنين وواضعي سياسات يمتلكون القيم والمهارات الكفيلة بإدارة الموارد الطبيعية بشكل مستدام؟ هل ستدعم مدارسهما وجامعاتهما العلوم والتكنولوجيا والبحوث والابتكارات التي تحتاج إليها مجتمعاتهما للتصدي لتغير المناخ؟
إن تغير المناخ مشكلة سببها الإنسان ويمثل إلى حد بعيد دالة لعدد السكان على كوكب الأرض، وقيمهم ومهاراتهم فضلا عن التكنولوجيا. هل تستطيع البرامج التعليمية أن تغيّر هذا المسار؟ فيما يلي بعض الأفكار التي توضح كيفية ذلك:
أولا، اعتبار توفير التعليم للجميع مسألة ملحة؛ فالتغيير في التعليم يحدد شكل التغير الديموغرافي. وسيؤدي بلوغ الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة "ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع" على الأرجح إلى أن يكون سكان الأرض 8.5 مليار نسمة بدلا من 9.1 مليار بحلول عام 2050. وذلك لأن المرأة المتعلمة تنجب في العادة عددا أقل من الأطفال الأصحاء والأفضل تعليما. كما أن التعليم يساعد الناس على التكيف مع تغير المناخ لأنه يعزز القدرة على استيعاب المعلومات، وحساب المخاطر، والاستعداد لمواجهة الصدمات المناخية والتعافي من آثارها.
ثانيا، الارتقاء بتعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات؛ وهذا سيساعد الناس على فهم التغيرات المادية في بيئتهم، وسيمدهم بالأدوات التي يحتاجون إليها من أجل الابتكار والإبداع واعتماد التكنولوجيا. لنعمل على إعداد جيل من خريجي المدارس الثانوية الملمين بمبادئ العلوم. ولندعم أنظمة التعليم والتدريب الفني والمهني التي تدرب المهنيين المهرة لخدمة "الاقتصاد الأخضر"، ونساعد الجامعات على تخريج قادة في مجال العلوم المناخية، والهندسية، وإدارة الموارد الطبيعية، والدراسات البيئية.
ثالثا، دعم التعليم البيئي كمادة مستقلة و/أو كموضوع عام في المناهج المدرسية وبرامج إعداد المعلمين، وغرس القيم والمعارف التي يمكن للشباب أن يستخدموها كي يحيوا حياة أكثر استدامة والاهتمام بالحيوانات والنباتات وعالم الطبيعة، وتحفيز شغفهم بعالم الطبيعة واهتمامهم بصحة الكوكب.
رابعا، بناء المدارس التي تعكس المبادئ البيئية؛ مدارس ذات كفاءة في استخدام الطاقة، ويمكنها أن تنعش خيال الأطفال، وتستخدم الطاقة المتجددة، وتتسم بالاستخدام النظيف والكفء للمياه، وتتيح الفرصة للتفاعل مع البيئة. ويجب أن تكون المدارس قوية بما يكفي للتصدي للظواهر المناخية بالغة الشدة، وأن تعمل في المناطق عالية الخطورة كملاذات للطوارئ.
وخلال العقود الأخيرة، تألقت كوريا الجنوبية باعتبارها نموذجا رائدا على صعيد الاستدامة. فقد كانت واحدة من أول البلدان التي تبنت استراتيجية وطنية للتنمية المراعية للبيئة. كما كانت صوتا رائدا في مجال الطاقة النظيفة. واليوم، باتت تستضيف مؤسسات مهمة كصندوق المناخ الأخضر، فضلا عن مجموعة حيوية من المنظمات البيئية غير الحكومية. كل هذا بالتزامن مع استمرار "المعجزة الاقتصادية". ويروق لي التذكير بأن البنك الدولي ساعد جزئيا في تسعينيات القرن الماضي في تبني كوريا للاستدامة من خلال برامجه التعليمية البيئية. ونستطيع أن نساعد بلدانا أخرى على النجاح أيضا.

إنشرها