هل يعاد تأهيل الأحياء القديمة؟

تضم مدننا، خاصة أوساطها، أحياء قديمة نشأت في بدايات نشأة المدن ذاتها، ولهذه الأحياء طابعها الخاص، كضيق الشوارع، وتعرجها، والتصاق المباني، سواء كانت بيوتا، أو أسواقا، ومحال تجارية، إضافة إلى ضيق مساحات الدور، وكذلك المحال التجارية، كما أن المواد التي بنيت منها هذه الأحياء من مواد البيئة، إذ يشكل الطين، وأسقف الخشب المواد الرئيسة، نظرا لعدم توافر غيرها في ذلك الزمن، ولمناسبتها الظروف الاقتصادية للوطن بكامله، واقتصاديات الأفراد بشكل خاص، إضافة إلى مناسبتها لظروف المناخ من حيث الحرارة، والبرودة.
تشكل أحياء وسط البلد في الرياض مساحة لا بأس بها، وقد كانت عامرة مملوءة بالسكان قبل الطفرة الأولى؛ لما كانت تحظى به من صيانة مستمرة، إلا أن افتتاح الصندوق العقاري الذي مثل فرصة للمواطنين لامتلاك بيوت حديثة، مختلفة في مساحاتها، وتصميمها، وأنظمة بنائها، ومواد بنائها، إضافة إلى تخطيط الأحياء التي توجد فيها وسفلتتها، وإنارتها،أعطى صورة وروحا مختلفة عن الأحياء القديمة، مع أن الأحياء القديمة ارتبطت في أذهان الناس بذكريات جميلة، طابعها الأساسي الحميمية، ورحابة الصدر، والكرم، حتى كانت تلك البيوت مع ضيقها بمنزلة الفنادق، والشقق المفروشة للأقارب، والأحباب الذين يفدون من خارج الرياض بهدف التطبب، أو التجارة، أو حتى الدراسة مع طول المدة.
خلو الأحياء القديمة حولها، أو بعضها إلى أطلال تهاوت على بعضها؛ لافتقادها الصيانة، كما أن بعضها تم تحويله إلى مستودع للمحال التي تعمل في وسط البلد، وما تبقى، إما مسكونا من أهله لضيق ذات اليد، وإما تحول إلى سكن للعمالة النظامية، وغير النظامية، مع ما يعنيه ذلك من مشكلات أمنية، واجتماعية، وسلوكية، عندما تتحول هذه الأماكن إلى وكر للجريمة، والمخدرات، وتزييف البضائع، والوثائق الرسمية، إضافة إلى تشويهها المدينة في وضعها الحالي.
مضت على الأحياء القديمة عقود، وكما مر الزمن ساء وضعها، فهل يستمر إهمالها، وتركها على هذا الوضع، فلا هي معالم جاذبة للسياحة في وضعها الحالي، ولا بيئتها العامة مغرية؛ نظرا لتهدم بعضها، وتشويهها المدينة؟
خيارات عدة للتعامل مع الأحياء القديمة، أولها إعادة بنائها لتأخذ شكلها الأول، وتتحول إلى معلم سياحي تقام فيه مطاعم، ومقاه، ومتاحف فردية، صغيرة، ومحال تجارية للتحف، والمقتنيات القديمة، ويمكن توظيفها للاحتفالات الوطنية، والعروض الفولكلورية، وهذا قد يكون مناسبا لبعض الأحياء الملاصقة لوسط البلد، أما الأحياء الأكثر بعدا عن المركز فلا يناسبها ذلك، أما الخيار الثاني فيتمثل في إزالة الأحياء بكاملها، ويعاد تأهيل المنطقة لتكون أحياء سكنية وسط البلد، ويمكن تنفيذ هذا من قبل وزارة الإسكان، إذ يمكن عمارتها على شكل عمارات متعددة الأدوار، أربعة أو خمسة، توزع على المواطنين مستحقي السكن؛ لتعود أحياء سكنية، نابضة بالحياة والحركة ليلا ونهارا، ليحل هذا الخيار بدل التوجه القائم حاليا، المتمثل في القروض عن طريق المصارف، ما يثقل كواهل المواطنين الأقل دخلا كما أن من الخيارات إيجاد شراكات بين وزارة الإسكان وبعض الشركات ليتم بناؤها وتقسيطها على المواطنين الذين لا يملكون منازل إذا كان لا بد من التقسيط.
قد يقول قائل من سيسكن في وسط البلد؟ وهذا سؤال طبيعي، إلا أن ارتباط البعض بوسط البلد في تجارته، وأعماله الوظيفية سيرغّب كثيرين للسكن هناك؛ لما له من فائدة في تجنب المواصلات البعيدة في حال السكن في الأحياء النائية التي يتم الحصول عليها وفق نظام الإقراض المصرفي المطبق حاليا وما يترتب عليه من ديون باهظة.
سبق أن أعلن في سنوات سابقة عن النية لإعادة تأهيل الأحياء القديمة بتثمين العقارات، والبيوت، وإعادة التخطيط، ونشر ذلك في الصحف، ونشرت خريطة بأسماء الأحياء، وحدودها الممتدة غربا من الشميسي، وأم سليم، وحتى ثليم والصالحية شرقا، ومن الشمال ما بعد مركز الملك عبدالعزيز، وحتى الدويبية، وغبيرة جنوبا، لكن لا أدري ما الذي حدث، إذ لم يعد الحديث عن الموضوع، ولعل الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض تبعث الروح في المشروع؛ لما له من قيمة في تنشيط وسط البلد، وإعادة الوضع الطبيعي إليه، لزيادة دائرة النشاط التجاري، ولتوفر الأراضي بدلا من التمدد، خاصة أن هذه الأحياء تتوافر فيها الخدمات، بدلا من تركها في هذا الوضع البائس.

المزيد من مقالات الرأي