الحماية الاجتماعية ومفهوم الوظائف «2 من 2»

وها هي بعض النتائج الرئيسة التي أمكن التوصل إليها حول علاقة الحماية الاجتماعية ومفهوم الوظائف:
- الأنشطة غير الرسمية، أي نسبة السكان غير المشاركين في نظم الضمان الاجتماعي التقليدية وبرامج الحماية ذات الصلة، تبلغ حاليا 80 في المائة تقريبا من القوى العاملة في الاقتصادات النامية. وتلك نقطة ضعف كبيرة في توفير الحماية، لأن معظم العاملين، خاصة الفقراء، يمارسون أنشطة في القطاع غير الرسمي ويحصلون على قدر ضئيل من الحماية الاجتماعية أو ربما لا يحصلون على أي حماية على الإطلاق. ونظرا للطبيعة المزمنة لهذا التحدي والتقدم الطفيف الذي تحقق في مواجهته، سوف تتحسن أوضاع الأغلبية في ظل نظام للحماية الاجتماعية لا يعتمد على وضعهم العملي.
- يمكن تعزيز المساعدة الاجتماعية التي تسهم في تحقيق العدالة في المجتمعات المختلفة. وأمامنا عديد من الخيارات. فمن ناحية، هناك برنامج ضمان الحد الأدنى من الدخل المبني على قياس السعة المالية، ويوزع النقدية على الأسر، وتتراجع المزايا التي يمنحها بالتدريج مع ارتفاع الدخل. ومن ناحية أخرى، هناك الدخل الأساسي المعمم، القائم على التحويلات النقدية غير المشروطة للجميع، بصرف النظر عن مستوى الدخل أو حالة العمل. وكلاهما يوزع على أساس شهري.
ومن الخيارات الوسيطة فرض ضريبة الدخل السلبية ــ وهي طريقة لإعطاء المال من يحصلون على دخل أقل من مستوى معين ــ مع ارتفاع المستوى الحدي نسبيا وسحب المنافع بالتدريج. ونظرا لأن ضريبة الدخل السلبية هي جزء من نسيج دورة الإعلان الضريبي، فهي غالبا ما تدفع سنويا. وربما كان من الخيارات الأخرى وضع حد أدنى أقل من الدخل المضمون تكمله برامج أخرى، مثل بدلات الأطفال المعممة ونظم معاشات التقاعد الاجتماعية. وتتوقف تكلفة مثل هذه الترتيبات على مستوى المنافع، ودرجة تغطيتها، وشكل رسم توزيع الدخل. لكن زيادة استخدام الروبوتات يمكن أن تقلل من القيود المالية وقد يصبح هذا النوع من المنافع مهما في تحقيق الاستقرارين الاجتماعي والاقتصادي على حد سواء.
وفي حالة الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، فإن زيادة القدرة على تحديد الأفراد والأسر ومتابعة أنماط استهلاكها ــ في حالة عدم متابعة مستويات دخلها ــ يمكن أن تتيح إمكانات جديدة عند النقاط التي تصل بين الدخل الأساسي المعمم، وضريبة الدخل السلبية، والحد الأدنى المضمون من الدخل، أو حتى ضريبة الاستهلاك السلبية. وسوف يستند الاستهداف في هذه الحالة إلى مؤشرات بديلة للدخل غير المشاهد تؤخذ من المسوح الخاصة وتتحدد بالربط بين قواعد البيانات الإدارية.
- فكرة الشمولية التصاعدية "دراسة 2018 Gentilini" ربما ساعدت في توجيه التوسع بطرق تعود بالنفع على الفقراء ومحدودي الدخل أولا. ويقر هذا المبدأ بأن الشمولية في حد ذاتها لا تسهم بالضرورة في تحسين أوضاع أفقر الفئات مقارنة بالمخصصات الموجودة بالفعل. وبالتالي، فمع قيام البلدان بتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية تحقيقا للشمولية، ينبغي إعطاء الأولوية لمحدودي الدخل ومنحهم اهتماما خاصا وتزويدهم بالدعم الكافي. وعلاوة على ذلك، فإن الغرض من البنيان العالمي للحماية الاجتماعية، كما ينص عليه الهدف 1ــ3 من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، هو – "استحداث نظم وتدابير حماية اجتماعية ملائمة على الصعيد الوطني للجميع ووضع حدود دنيا لها" وبالمثل، فإن علاقات الشراكة الاستراتيجية، مثل "مبادرة الحماية الاجتماعية الشاملة" التي أطلقها معا كل من منظمة العمل الدولية والبنك الدولي تساعد على رفع مستوى الشمول كهدف استراتيجي للبلدان والمنظمات التي تدعمها.
والقضية الرئيسة هنا هي الحاجة إلى اتخاذ موقف أكثر حيادية من خلال السياسات مقارنة بما يتخذه عدد كبير من الحكومات حاليا إزاء عوامل الإنتاج وحيال مكان العمل وطريقة العمل. ومتى أصبحت سبل الحماية الأساسية مضمونة، يمكن للأشخاص تحسين مستوى الأمن الذي يتمتعون به عن طريق البرامج المختلفة التي تحصل على دعم تصاعدي ــ مثل برامج المساهمة الإلزامية في التأمين وخطط الادخار حيثما أمكن ومجموعة من الاختيارات الطوعية كلما أمكن أن تمنحها الدولة والأسواق "دراسة 2018Packard and others ".
والخلط بين الأهداف الاجتماعية التي كانت يوما ملائمة من الناحية السياسية ــ مثل تجميع المخاطر، والقضاء على الفقر، والسعي إلى تحقيق المساواة عن طريق إعادة توزيع الثروة ــ يدعو إلى اكتساب قدر أكبر من الصراحة في التمييز وإلى اختلاف ترتيبات اقتسام المخاطر وقنوات التمويل. ومن أجل الحيلولة دون الوقوع في دائرة الفقر، على سبيل المثال، فإن أكبر تجميع للمخاطر وأكثرها فاعلية يأتي من خلال الموازنة الوطنية للبلد المعني. وفي الوضع الأمثل، تتخذ القرارات بشأن المصادر البديلة للتمويل بناء على اعتبارات أداة السياسات التي يكون تعميمها ملائما "تجميع المخاطر أو الادخار أو الحماية" واستجابة السياسات على نحو تناسبي بالنظر إلى ما يتوافر على المستوى الخاص.
وتمثل الدائرة الداخلية في قلب الرسم الحد الأدنى من الدعم المضمون واللازم لتغطية أشد الخسائر الناجمة عن الكوارث المسببة لأكبر قدر من التكاليف الاجتماعية ــ مثل الاضطرابات المحتملة التي تدفع الأسر نحو الفقر ــ التي لا توجد لها بدائل قابلة للاستمرار أو فاعلة في السوق. وفي الوضع المثالي، ولكن ليس دائما، يكون وقوع هذه الأحداث نادرا نسبيا. ويمكن التدخل لتغطية أحداث أكثر تكرارا وأقل خسائر ــ مثل التوترات في سوق العمل والتقاعد ــ ولكن مع جلب منافع اجتماعية خارجية واضحة وكبيرة، وإدراج عملية التدخل في هذا البرنامج الذي يقدم الحد الأدنى من الدعم المضمون. وفي الدوائر الثلاث المتبقية، تتحول المسؤولية عن التمويل ورصد المخصصات بالتدريج بعيدا عن الموارد العامة الخالصة وتتجه المخصصات نحو تمويل الأسر أو الأفراد والمخصصات في السوق.
إن التغير التكنولوجي، وهو أحد المحركات العالمية للاضطرابات في عالم العمل، يتيح كذلك فرصا أمام الحكومات لأن تبتعد عن سياسات حقبة الصناعة السائدة أو القفز لتجاوزها، وأن توفر للمواطنين والمقيمين وسيلة أكثر فاعلية لاقتسام المخاطر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي