الاقتصاد في 2019

تختلف التوقعات التي تتنبأ بتوجه الاقتصاد العالمي في العام الجديد وتتداخل فيها العوامل السياسية والجيوسياسية والاجتماعية، إلا أنها في مجملها تشير إلى أن عام 2019 سيكون عام ركود في الاقتصاد العالمي، ويجنح بعضها إلى توقع انفجار أزمة مالية عالمية بنهاية العام أو بداية عام 2020 كنتيجة حتمية لكبر حجم المديونية العالمية "ارتفعت الديون بنسبة 42 في المائة منذ أزمة 2008" وعوامل أخرى.
بالطبع، العوامل التي تدعم تنبؤات الركود كثيرة، وعلى رأسها في أمريكا الحرب التجارية بين الصين وأمريكا وارتفاع تكلفة الإقراض، حيث رفع "الفيدرالي" أسعار الفائدة أربع مرات في 2018، وارتفاع قيمة الدولار في أسواق الصرف وهو ما يشكل تهديدا للأسواق الناشئة وللأسواق المالية وللشركات الأمريكية المصدرة، إضافة إلى انحسار أثر تخفيض الضريبة على الشركات الأمريكية وهو أحد العوامل المهمة في زيادة النمو الاقتصادي في العامين الماضيين.
في أوروبا، ما زال النمو الاقتصادي منخفضا رغم قرار "المركزي الأوروبي" إنهاء شراء الأصول البالغ حجمها 2.6 تريليون يورو، إلا أن انخفاض نمو الاقتصاد الألماني وأزمة "البريكست" وديون إيطاليا و"السترات الصفراء" في فرنسا تشكل ضغوطا كبيرة على نمو الاقتصاد في القارة العجوز.
في اليابان، ما زال الاقتصاد يدور في حلقته المفرغة المستمرة منذ ربع قرن، ولم تفلح سياسة التيسير الكمي والفائدة السالبة في تحقيقه نموا ذا شأن، وفي الصين هناك تباطؤ في النمو الاقتصادي وانخفاض في مؤشر النشاط الصناعي "انخفض مؤشر PMI من 50.2 في نوفمبر إلى 49.7 في ديسمبر 2018 ويتوقع أيضا انخفاضه بشكل أكبر في العام الجديد"، وبقي الاقتصاد الهندي هو الحصان الرابح في سباق النمو الذي بدأه منذ 2015 مستفيدا من انخفاض أسعار النفط طيلة السنوات الأربع الماضية ليحقق أعلى نمو عالمي عند 7.3 في المائة بنهاية 2018.
بالتأكيد، فإن أداء الأسواق المالية في نهاية 2018 داعم كبير لتوقعات الركود في 2019، أو هي ناتجة عن بوادر الركود والتخوف بمعنى أصح، فمؤشر CSI الصيني المكون من أكبر 300 شركة في سوقي شنغهاي وشينزن أغلق 2018 على خسارة 27 في المائة، وبورصة طوكيو خسرت 14 في المائة، وفقد فوتسي 100 البريطاني 12.5 في المائة من قيمته، كما انخفض مؤشر داكس 30 الألماني بـ 18.3 في المائة، وخسر داو جونز للمرة الأولى من ثلاث سنوات ما يعادل 5.6 في المائة من قيمته بنهاية 2018. ويتوقع أن يستمر التذبذب والانخفاض في الأسواق المالية طيلة 2019 حسب توقعات مؤسسات مالية كبيرة منها بنك التسويات الدولية حسب تقارير نشرت أخيرا علىBusiness insider.
في السعودية، تبدو الأمور جيدة، فالمؤشر العام للأسهم أنهى عامه بارتفاع قدره 8 في المائة مقارنة بإغلاق 2017، والموازنة المعلنة كبيرة وتوسعية والاقتصاد حقق بنهاية العام نموا فاق 2 في المائة مقارنة بنمو سالب للسنوات الماضية، إلا أن اقتصادنا ليس خاليا من المصاعب التي سيواجهها في 2019 ومنها:
أولا: أسعار النفط، فإن كان العالم يحتاج إلى نفط منخفض الأسعار ليرتفع نموه الاقتصادي ويتواصل - كما في الهند مثلا - فإننا على العكس نحتاج إلى ارتفاع أسعار النفط لنحقق نموا جيدا في ناتجنا المحلي. ورغم توافق مجموعة "أوبك بلص" وإعلانها خفض الإنتاج بعد الانخفاض الأخير في أسعار النفط إلا أن هذا - في رأيي - لن يكون كافيا لعودة النفط فوق 70 دولارا نتيجة لزيادة الإنتاج الأمريكي والسماح للدول الكبرى المستهلكة باستيراد النفط الإيراني في استثناء غريب من العقوبات المفروضة عليها إضافة إلى انخفاض النشاط التجاري في الصين وهي السوق الأكبر استيرادا للنفط.
ثانيا: ارتفاع تكلفة التمويل بسبب ارتفاع سعر الفائدة، وهو ما قد يؤثر في القطاع غير النفطي.
ثالثا: ما يخفف من أثر ارتفاع الفائدة هو كبر حجم الإنفاق الحكومي في 2019 المقدر بـ 246 مليار ريال، الذي سيكون موجها إلى مشاريع نوعية وكبيرة تدعم "رؤية 2030" والاقتصاد بشكل عام.
ختاما، غالبية التوقعات تشير إلى مصاعب سيعيشها الاقتصاد العالمي في عامه الجديد، ورأيي الشخصي أن الاقتصاد يتجه فعليا إلى دورة ركود بشكل عام باستثناء دولة هنا وأخرى هناك، إلا أنني أستبعد حدوث أزمة عالمية، وفيما يخص اقتصادنا، فسيكون من الجيد والمفيد أن تستقر أسعار النفط حول الـ70 دولارا. والله تعالى أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي