الحوار لوقف تباطؤ الاقتصاد العالمي

سيتأثر الاقتصاد الأمريكي بعدم اليقين الحاصل على الساحة الاقتصادية العالمية، أو بالأحرى النسبة المتواضعة للنمو العالمي. واقتصاد الولايات المتحدة حقق قفزات نوعية بالفعل في العامين الماضيين، بما في ذلك السيطرة على البطالة في البلاد، بصرف النظر عن الانتقادات التي توجه لإدارة الرئيس دونالد ترمب بشأن بعض الخدمات الاجتماعية وفي مقدمتها الصحية. غير أن الاقتصاد الأمريكي يعتبر في أفضل مراحله خلال الـ30 عاما الماضية. لكن ذلك ليس مضمونا أن يتواصل إلى ما لا نهاية، ولا سيما عندما تضطر الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ إجراءات تتضارب مع سياسة التحفيز التي تتبعها. وهذا أمر طبيعي في أغلبية البلدان المتقدمة. بمعنى، أنك تشهد فترة من النمو والتقدم الاقتصادي، لكن في الفترة الموالية لها ترى تراجعا في هذا القطاع أو ذاك.
من هنا يمكننا فهم توقعات موريس أوبستفلد كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي الأخيرة، التي أشارت إلى أن اقتصاد الولايات المتحدة سيشهد تباطؤا في العامين المقبلين، من جراء عدة عوامل في مقدمتها تداعيات التباطؤ الاقتصادي العالمي. غير أن هناك إجماعا من الجهات الاقتصادية العالمية على أن الاقتصاد الأمريكي لا يمكن أن يدخل مرحلة الانكماش، على الأقل في المستقبل المنظور، الأمر الذي يختلف عن حالة فرنسا "مثلا" التي قد تتعرض للانكماش الاقتصادي في العامين المقبلين، خصوصا بعد الوعود السخية التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في أعقاب الاحتجاجات الأسبوعية التي تشهدها باريس. المهم أن التباطؤ الذي يتم الحديث عنه حاليا في الولايات المتحدة سيكون بصورة تدريجية، وهذا وحده يحافظ على كثير من المكتسبات التي تمت في المرحلة السابقة.
والحق أن الاقتصاد الأمريكي سيدفع فاتورة تراجع الاقتصادات الأخرى على الساحتين الأوروبية والآسيوية، وهذا ما أشار إليه خبير صندوق النقد. غير أن المسؤولية تقع على الجميع "من وجهة نظر الصندوق وعدد آخر من المؤسسات العالمية المختصة"، وذلك بسبب المعارك التجارية التي تضرب الساحة العالمية، التي قد تؤدي بسهولة إلى نشوب حرب تجارية واسعة النطاق. ولولا هذه المعارك كان يمكن للعالم أن يتمتع بالانتهاء الفعلي لتبعات وآثار الأزمة الاقتصادية العالمية، في الوقت الذي ضاقت فيه مساحة الحوار بين الأطراف المعنية بهذه "المصيبة" العالمية. لكن هذه المساحة عادة لتتسع في أعقاب قمة مجموعة العشرين الأخيرة في الأرجنتين، ولكن دون أن تتحقق أي قفزات نوعية في هذا المجال حتى اليوم.
لا شك في أن التباطؤ الاقتصادي المتوقع سيكون عالميا، وهذا ما يخيف كل المؤسسات العالمية، لأن الساحة الدولية تحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى ارتفاع نسبة النمو وذلك لتكريس الانعتاق من آثار الأزمة العالمية التي انفجرت قبل عشر سنوات. وعلى الرغم من التحذير من تراجع النمو في الاقتصاد الأمريكي في العام المقبل، إلا أن نسبة التراجع المتوقعة تبدو قليلة مقارنة بنسبته في بلدان ذات اقتصادات مشابهة للاقتصاد الأمريكي. لكن في النهاية التراجع سيكون عالميا، ولا يمكن ضمان الازدهار المطلوب والنمو معه، إلا بوقف الخلافات أو المعارك التجارية الحاصلة حاليا بصورة نهائية. المطلوب يبقى دائما هو الحوار لحل المشكلات السياسية والاقتصادية وأي شيء. دون أن ننسى، أن كثيرا من الأفكار المغلقة اقتصاديا وسياسيا يسهم في تأجيج المشكلات، ويبعد الحلول عبر الحوار إلى مسافات بعيدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي