«قمة العشرين» .. النمو الاقتصادي ومعالجة الأزمات

مع قرب انعقاد "قمة العشرين" في الأرجنتين، يجري الحديث على الساحة الدولية حول انعكاس الخلافات الراهنة بين أقطاب الاقتصاد الدولي على هذه القمة. ومن أهم ما يميز هذه القمة، أنها تنعقد بعد أن اتفق العالم على انتهاء كل آثار الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت عام 2008، وهو العام الذي أخذت فيه "مجموعة العشرين" بالفعل زمام المبادرة في صنع القرار الاقتصادي العالمي. المهم الآن، أن المراقبين يخشون من أن الخلافات الراهنة ستؤثر سلبا في القمة، بينما لم يستبعد آخرون أن تفشل في إنتاج بيان ختامي متماسك؛ بسبب الخلافات المشار إليها. ولا شك في أن هذه الخلافات تُمكَّن حاليا بعمليات فرض رسوم جمركية إضافية من جانب هذا البلد أو ذاك، والرد بفرض رسوم مشابهة من البلد المستهدف، وهكذا.
ولم تصل أزمة الرسوم إلى حلول منطقية حتى الآن، بل على العكس، هناك تصريحات من كبار المسؤولين غير مشجعة على إمكانية حدوث انفراج في هذا المجال. دون أن ننسى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب كان واضحا منذ وصوله إلى السلطة، ولم يخف شيئا على صعيد معارضته الشديدة لما يعتقد أن الولايات المتحدة تتعرض لظلم تجاري تاريخي، بل هدد حتى بالانسحاب من منظمة التجارة العالمية؛ لأن الأخيرة تحتاج إلى إصلاحات، ولا تنجح فيها واشنطن في طرح قضاياها العادلة، على حد قناعة ترمب. ومن هنا، يمكن النظر إلى قمة مجموعة العشرين، التي تنعقد في ظل غياب مؤشرات هدوء تجاري بين البلدان الكبرى. الذي يحدث أن هذه الدول يهدد بعضها بعضا تجاريا في كل مناسبة ممكنة.
مجموعة العشرين لها وضعية خاصة ككيان عالمي هائل القيمة والوزن، كما أنها اكتسبت قيمة تاريخية منذ اليوم الأول لتأسيسها، عندما حملت مسؤولية معالجة الأزمة الاقتصادية العالمية الهائلة التي قال عنها آلان جرينسبان رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي السابق، إنها لا يمكن أن تحدث إلا كل 100 عام. نعم، هناك معارك تجارية بين الولايات المتحدة والصين "مثلا"، ونقول معارك كي لا نصفها بالحرب، وهناك مواجهات تجارية حقيقية بين الولايات المتحدة من جهة وحلفائها التاريخيين في الاتحاد الأوروبي وكندا من جهة أخرى. ومهما كانت الجهود المبذولة حاليا للوصول إلى موقف موحد في هذه القمة على صعيد الاقتصاد العالمي، فإن المخاطر من عدم نجاحها واردة تماما، مع غياب أي مؤشرات لمرونة هذا الطرف أو ذاك.
ومع ذلك، فمجموعة العشرين ستناقش قضايا مهمة جدا على الساحة الدولية، في مقدمتها النمو الاقتصادي العالمي، والطاقة ومواردها، والوضع الراهن للسياسات المالية على الساحة العالمية، خصوصا بعد زوال تبعات الأزمة العالمية المشار إليها. طبعا إلى جانب موضوع التجارة المتفجر. فلم يعرف عن دونالد ترمب - مثلا - أنه مرن في هذا المجال. وفي قمة مجموعة السبع الكبرى الأخيرة، التي عقدت في كندا، بانت الخلافات بوضوح بين الحلفاء أنفسهم حول هذا الأمر، بحيث عُدَّت هذه القمة واحدة من أفشل القمم التي عقدتها المجموعة. مسؤولو الدول المؤثرة يعترفون حاليا، بأن الوضع الاقتصادي العالمي لا يتحمل بالفعل أزمة جديدة، على الأقل في الوقت الراهن. ولذلك، العيون تتجه صوب بيونس آيرس، بحثا عن بيان يهدئ التوترات التجارية الراهنة، ويعطي مؤشرات لانطلاقة عالمية اقتصادية جديدة، بعد أن انتهت آثار الأزمة العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي