الأسواق تتخوف من تراجع أسعار النفط

لقد تراجعت أسعار النفط خلال الشهر الماضي حتى ساعة كتابة هذا المقال؛ حيث يزداد القلق في الأسواق من حدوث انهيار في الأسعار. تعكف المملكة وروسيا حاليا على دراسة إمكانية خفض الإنتاج عام 2019، وهي خطوة تهدف إلى التخلص من وفرة المعروض الحاصل في السوق. لقد أدى ارتفاع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، إضافة إلى زيادة الإنتاج من روسيا، المملكة، الإمارات العربية المتحدة، العراق، وليبيا، إلى تعويض انخفاضات الإنتاج من إيران، على الأقل حتى الآن؛ حيث ارتفعت مخزونات النفط بشكل حاد في الولايات المتحدة، وفي الأشهر الأخيرة تجاوز إنتاج النفط الصخري جميع التوقعات.
انخفاض الإنتاج سيكون بمنزلة تحول دراماتيكي في توجه "أوبك" وحلفائها، الذين اضطروا حتى وقت قريب إلى طمأنة أسواق النفط مرارا وتكرارا بأن الإمدادات كانت كافية، وأنهم كانوا مستعدين لمواجهة أي نقص افتراضي بضخ إمدادات جديدة، لكن الرسالة من "أوبك" تبدو الآن في اتجاه خفض الإنتاج.
لقد حذرت السعودية من هذا السيناريو على مدى الأشهر القليلة الماضية. وعندما ارتفعت أسعار النفط خلال الصيف، ومرة أخرى في أيلول (سبتمبر)، حذر المسؤولون السعوديون من ضعف الطلب الموسمي المرتقب في فصل الشتاء. في هذا الصدد، قال مصدر سعودي لـ"رويترز" في أيلول (سبتمبر): "هناك مزيد من التهديدات في العام المقبل من جانب الطلب مقارنة بتهديدات المعروض". ومع ذلك، كانت الأسواق قلقة بشأن النقص في الإمدادات، وقفز خام برنت إلى فوق 86 دولارا للبرميل في بداية الشهر الماضي، وكانت هناك تكهنات على نطاق واسع حول مستوى الطاقات الاحتياطية العالمية.
وبعد أكثر من شهر ونصف من وصول الأسعار إلى أعلى مستوياتها، تدرس "أوبك" وحلفاؤها الآن خفض الإنتاج. لقد تغير الكثير في فترة قصيرة من الزمن. أعادت ليبيا كمية كبيرة من الإمدادات المعطلة، وزادت السعودية الإنتاج إلى 10.7 مليون برميل يوميا بزيادة 700 ألف برميل يوميا منذ اجتماع "أوبك" في حزيران (يونيو)، وربما الأهم من ذلك، أن الولايات المتحدة كانت تنتج أكثر مما كان يعتقد في السابق. في آب (أغسطس)، قفز الإنتاج الأمريكي بأكثر من 400 ألف برميل يوميا من مستويات حزيران (يونيو)، وهي زيادة كبيرة بشكل غير مسبوق.
وفي وقت مبكر من هذا الشهر، أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، زيادة أخرى كبيرة في مخزون النفط الخام؛ حيث قفزت المخزونات بمقدار 5.8 مليون برميل في الأسبوع الأول من تشرين الثاني (نوفمبر)، لتصل إلى 431.8 مليون برميل. خلاف جميع التوقعات، في هذا الجانب، قالت الإدارة إن الولايات المتحدة أنتجت 11.6 مليون برميل في اليوم الأسبوع المنتهي في 2 تشرين الثاني (نوفمبر). الأرقام الأسبوعية تميل عادة إلى أن تكون أقل موثوقية قليلا؛ حيث تخضع للمراجعة في وقت لاحق، لكن هذا الرقم لا يزال علامة على أن إنتاج النفط الصخري ينمو بسرعة كبيرة.
وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية الآن، أن يرتفع إنتاج الولايات المتحدة إلى 12 مليون برميل يوميا في الربع الثاني من عام 2019. في الأصل، لم يكن من المتوقع أن يحدث هذا حتى أواخر عام 2019. وهذا سيجبر "أوبك" وحلفاءها على عكس الزيادة الأخيرة في إنتاج النفط بنحو مليون برميل يوميا مرة أخرى إذا كانوا لا يريدون المخاطرة بفائض كبير في العرض وزيادة الانزلاق في أسعار النفط.
علاوة على ذلك، قرار إدارة ترمب منح إعفاءات لثمانية بلدان مستوردة للنفط الإيراني أزال كثيرا من المخاوف من الأسواق من احتمالية حدوث نقص في الإمدادات. وهذا وحده يساعد على تفسير كثير من الأسباب وراء الاهتمام المتجدد لـ"أوبك" بخفض الإنتاج في العام المقبل. إذا لم تعد هناك احتمالية بتراجع الصادرات الإيرانية بنحو مليون برميل يوميا، فإن ذلك يزيل تقريبا تماما الحاجة إلى مزيد من إمدادات "أوبك" وحلفائها. ومع بقاء الإنتاج الإيراني تقريبا على حاله، قد تحتاج بقية دول "أوبك" الآن إلى خفض الإنتاج.
إضافة إلى ذلك، يواجه الاقتصاد العالمي بعض علامات الاستفهام الرئيسة، خاصة عندما نتجه نحو عام 2019؛ حيث إن أي تباطؤ في الاقتصاد العالمي سيضرب الطلب على النفط الخام. في هذا الجانب، قال إد مورس، رئيس قسم السلع في سيتي جروب إنكوربوريشن: "إنهم بلا شك سيرغبون عند وقت ما من العام المقبل في محاولة خفض الإنتاج"، مشيرا إلى أن "كل شيء يشير إلى توازن ضعيف إلى حد ما: الاقتصاد العالمي يتباطأ، والتوترات في التجارة الصينية لها تأثير واضح في الطلب".
ومما لا شك فيه، سيكون من الصعب التوصل إلى توافق بين أعضاء المنظمة على خفض الإنتاج، لكن التجارب السابقة أثبتت أنه بمقدور المملكة وروسيا القيام بما تريدانه بمفردهما، حتى إن عارضتهما بقية دول "أوبك".
خلاصة القول هي أنه حتى مجرد الإشاعة عن خفض الإنتاج تقدم بعض الأدلة على أن أسواق النفط أكثر ضعفا مما كانت عليه قبل بضعة أسابيع. من جانب آخر، حذر المدير العام لوكالة الطاقة الدولية من أن أسواق النفط لا تزال في خطر، مشيرا إلى الانخفاض الكبير في الإنتاج الفنزويلي. مع ذلك، تحولت وجهة النظر في السوق بوضوح من نقص إلى وفرة في الإمدادات. في الواقع، لم تثبت السوق حتى الآن أنها قادرة على التماسك بقوة، وبالتالي فإن الحالة المزاجية قصيرة الأجل للسوق لا تزال سلبية للغاية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي