«مهايطية» السيول

يترقب الجميع دخول "الوسم" بشغف كبير، ومن المتعارف عليه أن الوسم يبدأ من 16 تشرين الأول (أكتوبر) وينتهي في 6 كانون الأول (ديسمبر) ومدته 52 يوما، وتم إطلاق هذا المسمى عليه؛ لأنه يسم الأرض بالنباتات الموسمية، مثل "الحميض، القرقاس، البابونج، الحزى"، التي تظهر بعد سقوط الأمطار، وحين يصبح المطر غزيرا ومتتابعا خلال الوسم، فهذا بشارة أننا سنحظى - بإذن الله - بموسم ربيعي جميل، سيدفع كثيرين إلى التفاؤل بظهور "الفقع" ورخص أسعاره.
جميعنا نسعد بالمطر، ونستبشر بهطوله، ويصبح يومنا مختلفا حين نسمع زخاته على زجاج نوافذنا، لكن البعض ما زال يصر على تحويله إلى كارثة إنسانية، حين يستعرض قواه البشرية المحدودة أمام قوة السيول الجارفة، رغم كل التحذيرات من خبراء الطقس ومصلحة الأرصاد، إلا أن بعض "المهايطية" يجد لذة كبيرة في الاستعراض والتصوير والنزول بسيارته أمام المتجمهرين؛ ليحظى بشيء من الاهتمام والتركيز، ليعوض نقصا يشعر به داخله، وفي كل الأحوال لن نجد شخصا سويا عاقلا يقبل بهذه المخاطرة في مواجهة السيول المندفعة، إلا إن كان يعاني خللا ما، ما نراه من خلال المقاطع التي تصلنا وتحمل كمية استهتار، وعدم تقدير للمخاطر، واستخفافا بالأرواح أثناء السيول، يدفعنا إلى التساؤل: هل يجب سن عقوبات على هؤلاء "المهايطية" الذين لا يتسببون في الأذى لأنفسهم فقط، بل "يشغلون" أجهزة الدولة بهم، كالدفاع المدني الذي قد يدفع أحد أفراده روحه ثمنا لعمل أحمق لم يقدر مثل هذا "المهايطي" عواقبه جيدا؟!
لا أدري حقا ما المبرر أن تصور في واد سحيق وأنت تنتظر قدوم سيل جارف، وتتفاخر بنشر ما صورته، وكأنك تدفع الآخرين ممن يسهل التأثير فيهم إلى تقليدك؟! ولا أدري ما المبرر لأن تجتاز بسيارتك واديا وبصحبتك أصدقاؤك أو عائلتك، وأنت متأكد في داخلك من أن الأمر يحمل مجازفة كبيرة ربما لا تنجح فيها؟ بل ستفشل وتصرخ بهلع طالبا إنقاذك من المتجمهرين والدفاع المدني، وهنا ستتسع دائرة المهددين بالخطر بسبب رعونتك و"هياطك".
لا عذر إطلاقا لأي شخص يستمع إلى التحذيرات بشأن الطقس وسوء الأحوال الجوية، ويدرك خطورة السيول، ثم يغامر بذهابه للأودية والأنفاق وتجمعات المياه والسدود، لا نريد مزيدا من المناظر المؤلمة، ولا مزيدا من الضحايا.
لا تفسدوا فرحة المطر، وانتظار "الفقع"، وأعشاب الربيع، وجمال الوسم بمقاطع "مهايطية السيول"!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي