FINANCIAL TIMES

الضوابط المتراخية تجعل مصارف أوروبا ملاذا لـ«الأموال القذرة»

الضوابط المتراخية تجعل مصارف أوروبا ملاذا لـ«الأموال القذرة»

توبيخ "كريدي سويس" من الجهات التنظيمية المالية السويسرية على سلسلة من حالات الإخفاق في مكافحة غسل الأموال هو بمنزلة تذكير حازم بمشكلة دولية متزايدة – وبنقاط الضعف لدى المصارف الأوروبية في التعامل مع هذه القضية.
غسل "الأموال القذرة"، المرتبطة بتجارة المخدرات والإرهاب والجريمة المنظمة، آخذ في الازدياد. تعتقد الأمم المتحدة أن حجم عمليات غسل الأموال في العالم يمكن أن يصل إلى تريليوني دولار سنويا.
وإذا حكمنا من خلال الأحداث الأخيرة، فإن جزءا كبيرا من تلك الأموال يمر عبر النظام المصرفي الأوروبي المتساهل. فبخلاف مثال "كريدي سويس"، حدثت حالتان لافتتان للنظر في الأسبوعين الماضيين.
دراسة الحالة الأولى: مصرف دنماركي يسهل تدفق ما يصل إلى 30 مليار دولار سنويا، معظمها أموال روسية وأموال شبكات الجريمة المنظمة، من خلال فرع إستوني صغير. هذا الفرع ناجح للغاية لدرجة انه يحقق عائدات مرتفعة جدا على الأسهم: أكثر من 400 في المائة، أي أكثر بنحو 35 ضعفا من الربحية الحالية للمجموعة التي يتبع إليها المصرف. ومع ذلك لم تثار الشكوك لسنوات.
إذا كان هذا يبدو مثل روايات الجريمة الخيالية، فإن ما يجعل الموضوع مثيرا للشكوك أكثر هو أن الرجل الذي كان المدير العالمي لـ"دانسكي بانك"، الذي كان يتولى الإشراف على الفرع الإستوني، أصبح الآن رئيسه التنفيذي. وفي وقت كتابة هذا التقرير، كان توماس بورجين، الذي تمت ترقيته إلى منصب الرئيس التنفيذي في عام 2013، لا يزال في منصبه بطريقة ما. دراسة الحالة الثانية: مصرف إي. إن. جي ING الهولندي متورط في فضيحة غسل أموال خاصة به. في الأسبوع الماضي، استقال أخيرا مدير الشؤون المالية، كووس تيمرمانس، بعد أن تم تغريم المصرف 775 مليون يورو من قبل المدعين العامين الهولنديين بسبب ضعف الضوابط التي سمحت بعمليات غسل متسلسلة.
خلال السنوات الأخيرة، تم تغريم المصارف الكبرى بدءا من "إتش. إس. بي. سي" و"ستاندرد تشارترد" إلى "بي. إن. بي باريبا" و"دويتشه بنك" مبالغ ضخمة بسبب هذه القضية. في الربيع الماضي تعين إنقاذ ثالث أكبر مصرف في لاتفيا، "إي. بي. إل. في"، عقب فضيحة غسل أموال. هذه فقط المصارف التي تم القبض عليها.
من الواضح أن أوروبا تواجه مشكلة. السبب الرئيسي لهذا هو أن عملية مراقبة وضبط غسل الأموال في حالة من الفوضى. في جميع الحالات المذكورة أعلاه تقريبا، كانت السلطات الأمريكية هي التي تقود التهم، على أساس أن هذه مصارف عالمية لديها وحدات أمريكية.
وقد أدى ذلك إلى شكوى عامة داخل المصارف الأوروبية التي يقول إنها ضحة تجاوز أمريكا للحدود. لكن مع وجود غرامات (ليست فقط ذات اصلة بغسل الأموال) على المصارف الأمريكية، فمن الواضح أن هذا الادعاء مجرد هراء. "بانك أوف أمريكا" دفع خمسة أضعاف أكبر غرامة تم فرضها على مصرف في الاتحاد الأوروبي؛ "رويال بانك أوف اسكوتلند".
الإجراءات التي تقودها الولايات المتحدة تشير إلى أن المنظمين في الاتحاد الأوروبي لم يكونوا مدركين لما يحدث حولهم. وفي حالة المصارف ذات الوجود البريطاني، عملت سلطة السلوك المالي بنشاط مع النظراء الأمريكيين، ومع ذلك بقيت الغرامات بسيطة.
الغرامة القياسية التي فرضتها سلطة السلوك المالي ـ على "دويتشه بانك" في فضيحة غسل أموال روسية ـ بلغت 163 مليون جنيه استرليني، مقارنة بمليارات فرضتها وزارة العدل الأمريكية.
بصورة عامة يواجه الاتحاد الأوروبي ككل خمس مشكلات على الأقل، هي:
أولا، توجيهات مكافحة غسل الأموال التابعة للاتحاد الأوروبي AML كتبت وأعيدت كتابتها خمس مرات على مدى العقد الماضي، وتم تنفيذها بصورة جزئية من البلدان الأعضاء.
ثانيا، تختلف البلدان بشكل كبير في جودة السلطات المعنية بالتطبيق. وإجمالا، لا تتابع السلطات سوى 5 في المائة من الشكوك المتعلقة بغسل الأموال.
ثالثا، بعض بلدان الاتحاد الأوروبي - أمثال إستونيا ولاتفيا ومالطا وقبرص - بنت اقتصاداتها بصورة واضحة حول اجتذاب الأموال الأجنبية، دون فرض رقابة فعالة على مصدر تلك الأموال.
رابعا، غالبا ما يكون هناك تنسيق ضعيف بين المشرفين الوطنيين. في مثال "دانسكي"، كان المنظمون في الدنمارك وإستونيا يدركين منذ سنوات أن هناك مشكلة، لكن كلا منهم كان يدعي أنها مسؤولية الآخر.
خامسا، لا توجد قاعدة بيانات مركزية للاتحاد الأوروبي خاصة بالمعلومات حول غسل الأموال.
وبالنظر إلى كل ما سبق، من المرحب به أن المفوضية الأوروبية أعلنت الأسبوع الماضي أنها ستأخذ المسألة على محمل الجد.
فهي تمنح الآن صلاحيات إضافية لمكافحة غسل الأموال إلى السلطة المصرفية الأوروبية، التي تتولى حاليا على ما يسمى الإشراف الحصيف، فيما يتعلق بالقوة المالية للبنوك.
جزء من الدافع يبدو كأنه علاقات عامة: باعتباره من لاتفيا، كان يجب أن يظهر فالديس دومبروفيسك، المفوض الأوروبي المنتهية ولايته والمسؤول عن الشؤون المالية، بمظهر من يعالج المسألة، كما يقول مسؤولون.
مع ذلك، تعزيز صلاحيات السلطة المصرفية الأوروبية وتمكينها من زيادة عدد موظفيها العاملين على غسل الأموال من إثنين إلى عشرة ينبغي أن يساعد بشكل ملموس في جهود التنسيق. الأرقام قد تبدو متواضعة، لكنها تضاهي بشكل إيجابي المدعين العامين الـ 14 الذين جمعتهم وزارة العدل الأمريكية في عام 2010، قبل زيادة عدد القضايا.
لكن النتيجة النهائية هي أن المصارف التي تغسل الأموال في أوروبا لن تكترث طالما السلطة المصرفية الأوروبية غير قادرة على فرض غرامات، بينما يبقى المنظمون الوطنيون مقتصدين في عقوباتهم.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES