تغير المناخ .. يتهدد الحياة فوق كوكب الأرض

ونحن نوشك أن نودع موسم الصيف، فإن صيف 2018 كان فارقا عن غيره من المواسم الماضية، ويكاد الإنسان في كل مكان من العالم - حتى في الدول الإسكندنافية - يشكو من صيف كان شديد الحرارة، مختلفا عن مواسم الصيف في الأعوام الماضية، بل يكاد يكون هذا الصيف بداية للدخول في أجواء تتهدد الحياة الطبيعية في كل مجالاتها.
لا جدال أن كوكب الأرض يتعرض لتغير ملموس في المناخ، وبالذات في درجات الحرارة التي ارتفعت في مناطق لم تكن فيها درجات الحرارة قد بلغت - في أعوام سابقة - هذه المعدلات العالية!
إن الكلام عن الظروف المناخية - في المستقبل القريب - مخيف للغاية، فالعلماء يقرون بالارتفاع في درجات الحرارة مع تغير ملحوظ في المناخ كهبوب العواصف وزيادة معدلاتها وحدتها، ووصولها إلى أماكن لم تكن تطأها من قبل، ناهيك عن زيادة معدلات ذوبان الجليد.
كل هذه التغيرات تنذر بمخاطر حقيقية وشيكة في كرتنا الأرضية. ويقول علماء الأرصاد إن زيادة حدة الحرارة ستؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات، وتهدد بغرق كثير من الجزر، بل تهدد مدنا ساحلية عتيدة مثل جاكرتا ومانيلا وغيرهما بالغرق والزوال.
وبعض العلماء يبعثون تحذيراتهم ويقولون إن الحرارة إذا ارتفعت درجتين مئويتين، فإنها ستؤدي - بالضرورة - إلى نقص ملحوظ في المحاصيل الزراعية، كما ستؤدي إلى ارتفاع قياسي في درجة الحرارة التي سينجم عنها موجات من الأعاصير المدمرة التي تضر بالحياة على الأرض. وحذر خبراء البيئة أن منطقة جنوب الصحراء الكبرى ستسجل تراجعا بنسبة 10 في المائة في إنتاجها الزراعي الإجمالي، و40 في المائة من أراضيها المخصصة لزراعة الذرة ستصبح غير صالحة للاستخدام بحلول الثلاثينيات من هذا القرن الـ21 "يعني بعد عشر سنوات ونيف".
وإزاء ذلك، فإنهم يشددون على ضرورة إعطاء قضية المناخ أهمية كبيرة في سلم اهتمامات المجتمع الدولي، وإلا فإن زمام السيطرة على معضلة ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض سيكون خارج السيطرة، وكذلك يطالب الخبراء بضرورة اتخاذ مبادرات جادة وفعالة لمنع ارتفاع درجات الحرارة، فإن الحرارة مرشحة إلى الارتفاع أربع درجات بحلول عام 2080، وعندئذ تكون الكارثة، حيث تعاني كل دول العالم استحالة استمرار الحياة فوق كوكب الأرض!
ورغم زيادة هذه المخاطر التي تتهدد كوكب الأرض، إلا أن الإنسان لم يتحرك بشكل إيجابي لإنقاذ الحياة فوق كوكب الأرض الذي بات عرضة لأضرار حقيقية وشيكة، حتى المنظمات الدولية - ونخص بالذات الأمم المتحدة - فإنها لم تتحرك كما يجب - ونجحت فقط في عقد مؤتمر الأرض، لكن دون فعاليات ملموسة على الأرض!
إن قارتي إفريقيا وآسيا هما اللتان ستدفعان ثمن ارتفاع درجة الحرارة بمعدل درجتين من قوتهما ومن حياتهما، إلا أنهما ليستا المتسببتين في ارتفاع درجة الحرارة، إنما المتسبب الدول المتقدمة التي بالغت في استخدام مواد هاتكة بالبيئة وموسخة لها، فمثلا نجد أن الولايات المتحدة والصين والهند ودول الاتحاد الأوروبي هي الدول التي خربت كوكبنا الأرضي، والمفروض أن يتجه المجتمع الدولي كله تجاه هذه الدول ويحملها مسؤولية ما جرى ويجري في كوكبنا الأرضي، ويطالبهم صراحة بانتهاج سياسات رفيقة ورحيمة بالبيئة، وأن تكون هذه السياسات معلنة وملزمة ومحددة بتوقيتات ومسؤوليات. وفي هذا الإطار، فإن عالم المستقبليات الأمريكي جيمس كانتون صمم سيناريو الانهيار الإنساني فوق كوكب الأرض بقوله، إنه بحلول عام 2040 ستدخل الكرة الأرضية في حالة جفاف غير مسبوقة تبدأ في القارة الإفريقية، ثم تندفع إلى قارة أوروبا، وعبرها إلى قارة أمريكا الجنوبية وأجزاء من أمريكا الشمالية، وستكون النتيجة الطبيعية لهذا الجفاف هي انخفاض المحاصيل الزراعية بمعدل يصل إلى نحو 50 في المائة، وهذا من شأنه أن يعرض دول العالم لمجاعة قد تدفع البشرية إلى خوض الحروب من أجل تدبير لقمة العيش!
إن المشهد يبدو كأنه مشهد مناخي، إلا أنه ليس كذلك في المطلق، فهو مشهد لحرب عالمية ضارية مع الطبيعة، لأن الجفاف حتما سيؤدي إلى تحركات ديموغرافية تستهدف تدمير منظومة الحياة في أوروبا وأمريكا، فارتفاع حرارة الكرة الأرضية من جراء الاحتباس الحراري سيؤدي إلى تسارع ذوبان الأنهار الجليدية في كل مكان من العالم مسببا فيضانات جارفة تجتاح الكرة الأرضية، ومع تغير الجغرافية السياسية فإن تشكيلات جديدة من الدول تبدأ في الظهور بحدود جديدة وهويات وطموحات جديدة، ثم يبدأ ميزان القوى في التغير باتجاه الدول التي تتكيف بسرعة أكبر مع المتغيرات المناخية الجديدة.
إن العالم أمام خيار صعب وهو خيار نكون أو لا نكون، فليس بين أيدينا خيار للعيش فوق كوكب آخر غير كوكب الأرض، وإذا كان لا خيار لنا إلا العيش فوق كوكب الأرض، لماذا نحن نجور على هذا الكوكب ونخرب بيئته، ونجعل الحياة فوقه مستحيلة؟!
إن التغير المناخي هو أكبر تحد تتعرض له الحياة فوق كوكب الأرض!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي