السعودية .. حج .. وعيد .. ومحبة

للسعودية فرادتها الروحية، فهي مهبط الوحي وأنوار الرسالة الإسلامية التي كرمها بها الله - سبحانه وتعالى - مثلما كرمها بالبيت الحرام وكعبته المشرفة، وبالمشاعر المقدسة، ومسجد النبي الكريم ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ وهي بهذه الصفة الروحية السامية مهوى أفئدة المسلمين وقبلتهم التي يتجهون إليها في الصلاة، حيثما كانوا في هذا العالم الفسيح، وللسعودية أيضا فرادتها بكونها موئل العرب بتراثهم وحضارتهم منذ سحيق الأزمنة، فهي تشكل خزانا لموروث إنساني تراكمت معطياته على مر العصور، تشير إليه الأمكنة العتيقة وما تستنطقه في أرضها أعمال التنقيب الأثرية، وقد شكلت هاتان الفرادتان مكانة خاصة لها في منظومة العالم، خصوصا وقد كرست القيادة الحكيمة لهذا البلد منذ المؤسس الملك عبدالعزيز حتى العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين كل البذل والجهد لخدمة هاتين الفرادتين اللتين يتميز بهما هذا البلد، فقد وجهت القيادة عنايتها ورعايتها الخاصة للأماكن المقدسة، وتوفير كل أسباب الاطمئنان لكي يؤدي الحجاج والمعتمرون مناسكهم بكل يسر، محاطين بوافر الخدمات الصحية والإيوائية ووسائل المواصلات الحديثة، فضلا عن فرق الإرشاد والأمن والسلامة المخصصة لهم في كل المشاعر المقدسة.
هذا الزخم من التمتع بفرادة المكان الروحية وبفرادته الحضارية يحسه ويلمسه ضيوف الرحمن في هذا البلد الأمين، ويغمره بعميق الامتنان للخالق سبحانه، ثم يغمره الامتنان والتقدير لقيادة هذا البلد على كونهم محظوظين بنعمة أدائهم شعيرة الحج، وأن يكون عيد الأضحى في أرض النبوة تحيط به خدمات تنموية نوعية تجمع بين سبل الراحة والاطمئنان.
من هنا يأخذ عيد الأضحى المبارك معناه، وهو ما يعرفه كل مسلم ويستشعره، لأن عيد الأضحى يمثل لسائر المسلمين في كل بقاع العالم امتثالا روحيا، مصدره هذه الأرض الطاهرة التي نزل فيها القرآن على المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وتم فيها فرض هذا العيد مقرونا بالأضحية، وما يحيط به من طقوس العبادة والتواد والتراحم، الأمر الذي يتلهف له المسلم حيثما كان، معدا له قلبا مؤمنا وشكورا، ومهيئا له كل مظاهر الحفاوة والترحاب بمقدمه.
واليوم ونحن في خضم البهجة والسعادة بحلول هذا العيد السعيد، نستقبله بأرواح مشدودة إلى معانيه السامية وقيمه القدسية، منذ أصبح علامة روحية مع فجر الدعوة الإسلامية ورسالتها السمحة، وليأخذ هذا اليوم بكل قلوبنا إلى قلوب بعض، سواء كنا ذوي قربة أو أصدقاء أو معارف، أو كنا بعيدين لا يعرف بعضنا بعضا، فإنه يلغي المسافات بين الجميع، فيستشعر الكل أنهم أسرة واحدة، ولذلك تتسم مظاهر العيد بالملامح ذاتها في ديار المسلمين في كل القارات، وإن اختلفت على نحو من الأنحاء، لكن أمة الإسلام حيثما يكونون يستقبلون هذا العيد المبارك بصلاة العيد وبالأضحيات وباللباس الجديد والروائح الذكية، ويستقبلونه بوجوه مستبشرة تطفح بالفرح وبلقاءات في المجالس والأسواق والحارات والشوارع، تصدح فيها كلمات التهنئة بالعيد وبعذب الحديث والأمنيات الطيبة، متحلقين على أطايب الطعام ولذيذ المشروبات، فمع العيد تزول الفوارق الاقتصادية وتذوب التمايزات الاجتماعية، فالعيد يجعل من الجميع أعيانا مملوئين بغنى النفس ووحدة المظهر.
هذا ما يفعله العيد بعموم المسلمين، وهو في وطننا يفعل الشيء نفسه، وإما على نحو لا مثيل له في بقاع الدنيا، لكونه يصدع بأنوار روحية، بحكم كونه في رحاب وطن يزهو ببقاعه المقدسة، ولهذا فإننا نمنحه حفاوة خاصة بهذه الروحانية، ونمنحه في الوقت نفسه حفاوة مصدرها تألق بلادنا السعودية بتنمية مستدامة شامخة في صروحها التنموية، في التعليم والصحة والصناعة والخدمات البلدية والنقل وغيرها من مجالات التنمية الشاملة في مختلف مناطق السعودية، دافعة بها قفزات نوعية أخرى استهدفتها "رؤية السعودية 2030" من أجل تنافسية في القوة الاقتصادية والتصنيع والتقنية، وفي الثقافة والترفيه، وفي صلابة موقف مع الحق وحرص على المكانة السيادية، وسداد الفعل والقول، التي تجلت في الوقفة الشهمة الفذة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في "عاصفة الحزم"، وإعادة الأمل لنصرة الشرعية في اليمن، وفي مواقف صلبة ضد الإرهاب والتطرف، إلى جانب سياسة سديدة حريصة على صدارة مكانة السعودية دورا وحضورا في العلاقات الدولية وفي المؤتمرات واللقاءات والمنظمات العالمية.
ولكل ذلك ولغيره مما أنعم الله به علينا من رخاء واستقرار، فنحن في السعودية حقا ممتنون لله - سبحانه - بأن يجيء عيد الأضحى المبارك بمكانته الروحية المميزة ونحن تحيطنا هذه المنجزات الباهرة وهذه المواقف العظيمة بالقيادة الحكيمة، وإنها لمناسبة مباركة في أن نمد أيدينا لكم أيها القراء الأعزاء ولكل أبناء الوطن، مباركين لكم عيدكم السعيد، سائلين الله العلي القدير أن يديم على وطننا الحبيب رغده واستقراره وأمنه وأمانه.. وكل عام وأنتم بخير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي