«هلا شققت عن صدره»

نواجه كل يوم تقريبا حالات من الحكم على الآخرين دون تثبت يقينا، خطر الوقوع في المحظور من ظلم الآخرين. تؤثر التربية والبيئة التي يعيش فيها الإنسان على علاقاته وطرق حكمه على الآخرين، وما شاهدته في كثير من نقاشاتنا أن الأغلبية يصلون إلى نتائج قبل أن يكمل الشخص الذي أمامهم حديثه، عندما يحس الواحد منا بالخطر على أسلوب رؤيته للأمور، تبدأ عملية رفض ما يقوله الآخر والبحث في الدقائق التي يمكن أن تفتح لنا ثغرة نصل بها لمبتغانا من حماية الذات والفكر والانعزال عن الواقع داخل "صدفتنا" الخاصة.
الغالب في هذه الحالات هو حسن النية، التي تنبع من محاولة المحافظة على حالة من التوازن العاطفي الذي يهدده الانكشاف على مفاهيم مختلفة. هذه الحالة التي انتشرت وبقوة خلال العقود الأخيرة بسبب التفاعل البشري والانفتاح على تقنيات ومجتمعات لم يكن لنا أي احتكاك بها في الماضي القريب والبعيد، تظهر كم التباعد الفكري بين الأجيال في بلادنا العربية بشكل عام، بل إنها تؤثر بشكل كبير على المجتمعات الغربية التي كانت تدعي الانفتاح على الآخر كجزء من عمليات إقناع الآخرين بالتفوق العلمي والفكري الغربي.
مع كل هذا الكم من التفاعل اليوم، ما زلنا نشاهد مسافات الخلاف الفكري والرفض غير المبني على الحقائق لما يمثله الفكر المخالف لنا، أقع في هذا الفخ شخصيا بشكل كبير في النقاش الذي أدخل فيه مع آخرين. الاعتداد بالرأي والرفض البات للفكر المخالف ينتج عن الإدرينالين الذي تحدثه صدمة اكتشاف وجود مبررات منطقية لما يراه الآخر.
هذا الرفض وما يجسد به من سلوك صاخب واستخدام لألفاظ خارجة أو الظهور بمظهر لا يمكن الظهور به لو كان المرء متوازنا ومتصالحا مع فكره ونفسه ومفاهيمه، يعني أننا بحاجة لمزيد من الانفتاح والتعامل مع الواقع بشكل مغاير.
أسوأ ما يمكن أن يقع فيه الواحد اليوم هو شخصنة الخلافات واستخدامها لأذى الآخرين وتكوين هالة من الخطيئة حولهم، حيث يرفض الواحد كل ما يأتي من خصمة "المفترض". وقد نبهنا لذلك النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ حين قال في أمر عدم الحكم على الآخرين والخلوص لنتائج غير حقيقية "هلا شققت عن صدره".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي