السعودية .. والطاقة المتجددة

لم تتأخر المملكة عن الخوض في مجالات الطاقة المتجددة. فهي قرأت الواقع بنظرة ثاقبة، والتزمت بمسؤولياتها ليست الوطنية فحسب بل العالمية أيضا. وضعت كل المجالات الخاصة في الطاقة أمامها، وتحركت بالفعل من أجل اعتماد ما يتوافق مع قدراتها، على الرغم من موقعها كأكبر مصدر للنفط في العالم، فضلا عن امتلاكها ثاني أكبر احتياطي عالمي أيضا. غير أن هذه ليست الإمكانية الوحيدة للمملكة في مجال الطاقة، فهي تتمتع بقدرات أخرى توفر لها الأرضية اللازمة لتكون في المقدمة على صعيد الطاقة المتجددة أو النظيفة. ولذلك كان طبيعيا استثمارها في هذه الطاقة، ووضعها ضمن أكبر استراتيجية تنموية اقتصادية تنفذها من خلال "رؤية المملكة 2030" وبرنامج التحول المصاحب لها.
والطاقة بكل أنواعها تمثل حجر الزاوية فـي "الرؤية"، فضلا عن أن الإمكانات الطبيعية تسهم هي الأخرى في دفع الحراك السعودي على هذا الصعيد. قبل عامين، أعلن مختصون ألمان، أن بإمكان السعودية أن تتقدم على ألمانيا في مجال الطاقة الشمسية في غضون عشر سنوات. وأن ما تقوم به حاليا يقودها إلى هذا الموقع. مع العلم بأن ألمانيا تعد على رأس البلدان التي تعتمد الطاقة الشمسية من حيث الحجم والقيمة والانتشار. وكذلك الأمر بالنسبة للأنواع الأخرى من الطاقة المتجددة أو البديلة. فكثير من الخبراء يتحدثون عن مفاجأة السعودية للأسواق بالطاقة المتجددة، ولا سيما الشمسية والرياح، في الوقت الذي لا يزال فيه الحديث سلبيا عن آفاق الطاقة النووية، لأسباب يعرفها الجميع وخصوصا تكاليفها المالية، ومخاطرها المحتملة.
كل البلدان المتقدمة، بما فيها تلك التي تتمتع بقدرات نفطية عالية ومعها الغاز أيضا، تتجه نحو الطاقة المتجددة، وهي بذلك تلتزم بمسؤولياتها العالمية حيال البيئة، كما أنها تسير نحو طاقة أقل تكلفة لكل الأطراف المعنيين بها. ولذلك فإن المملكة تسير وفق مخططات متطورة من أجل أن يكون لها الدور الريادي في هذا المجال، سواء عن طريق ضخ الاستثمارات، أو من خلال التعاون مع بلدان كبرى مثل روسيا، التي يتوقع الخبراء أنها ستفاجئ الأسواق مع السعودية في قدراتها على صعيد الطاقة البديلة. وبالفعل هناك سلسلة من الاتفاقيات بين الرياض وموسكو تدعم التوجهات المشار إليها، علما بأن الرياض تركت الأبواب مفتوحة لاتفاقات مع دول أخرى طالما أنها تصب في تحقيق الهدف الاستراتيجي.
لا أحد يقلل من أهمية النفط والغاز لإنتاج الكهرباء، لكن الجميع يتفقون على المخاطر البيئية في هذا المجال، فضلا عن التكاليف المالية. وفي الوقت الذي تسير فيه الأمور نحو الطاقة المتجددة، هناك أيضا مخططات بديلة على صعيد النفط والغاز بصورة لا تتعارض مع ما هو مطروح على الجانب البيئي. ومن هنا يمكن التأكيد على أن السعودية قادرة على التعاطي مع أي مستجدات على صعيد الطاقة، خصوصا مع وجود استراتيجية بعيدة المدى، تأخذ في الاعتبار كل المعايير فضلا عن الاستحقاقات المستقبلية. كيف لا؟ والسعودية تقوم بالتجديد الاستراتيجي المنهجي الشامل، بل تمضي قدما في بناء اقتصاد جديد يناسب كل المتطلبات الوطنية والعالمية في آن معا. ستشهد السنوات المقبلة قفزات نوعية على صعيد الطاقة المتجددة في المملكة، وهي قادرة على أن تكون مصدرا لهذه الطاقة في مرحلة ما، مع الإمكانات والاستثمارات والرؤية الواضحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي