اتفاقيات ثقافية مع فرنسا بنكهة اقتصادية سعودية

لا تقل زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى فرنسا أهمية عن الزيارتين اللتين سبقتاها إلى بريطانيا والولايات المتحدة، فالمصالح السعودية مرتبطة بهذه القوى الاقتصادية والسياسية العالمية جميعها. وسياسيا فإن لفرنسا يدا طولى في صناعة القرار العالمي، ويكفي القول إنها عضو دائم في مجلس الأمن ولها حق استخدام الفيتو، واقتصاديا فهي تعد القوة الاقتصادية الأولى عالميا في الزراعة والصناعات الغذائية، ويصعب مضاهاة فرنسا في هذا القطاع، وهي لا تقل شأنا في تصدير المعدات والتسليح . ومنذ زيارة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز إلى فرنسا في عام 1437هـ، وجدت العلاقات بين البلدين دفعة قوية ولا سيما الاقتصادية والتجارية منها، ووفقا لتقارير إحصائية فقد تصدرت المملكة المرتبة الأولى كأهم شريك تجاري لفرنسا من بين جميع دول مجلس التعاون بنسبة أكثر من 45 في المائة وأكثر من تسعة مليارات دولار. من جانب آخر، فإن فرنسا تعد ثالث أكبر المستثمرين في المملكة، وهناك أكثر من 80 شركة فرنسية تعمل من خلال فروع لها في المملكة، توظف عشرة آلاف سعودي، وتعتبر المملكة المورد الأول للنفط لفرنسا، كما أن هناك نحو 24 شركة سعودية تعمل في فرنسا وتوظف أكثر من ثلاثة آلاف موظف. في ظل هذا الكشف من العلاقات المتينة بين البلدين والتعاون المتبادل في التنمية فإن زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد تأخذ أبعادا أخرى جديدة، فهي ضرورية من جانب تعزيز هذه العلاقات خاصة أن زيارتي الأمير محمد بن سلمان إلى كل من بريطانيا والولايات المتحدة قد حققتا نجاحا باهرا. وتم توقيع كثير من الاتفاقيات والصفقات التاريخية، كما أن التعاون بين المملكة والولايات المتحدة قد أخذ مسارا اقتصاديا جديدا، حيث إن الاستثمارات الأمريكية في المملكة تسعى إلى تعزيز التوظيف وتحقيق "رؤية المملكة 2030"، كما أن الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة تسعى إلى تعزيز الاقتصاد هناك، ولهذا فإن أبعاد هذه الاتفاقيات قد تؤثر في نضج العلاقات مع فرنسا، ولهذا فإن هذه الزيارة مهمة جدا لتأكيد كل ما تم تحقيقه مع فرنسا، وأن هناك مزيدا مما يمكن تحقيقه أيضا، خاصة أن "رؤية المملكة 2030" طموحة لدرجة أنها ما زالت قادرة على جذب مزيد من الشركاء الاستراتيجيين، وفرنسا لا تقل أهمية عن غيرها. فقد شهدت الزيارة توقيع اتفاقيات ثقافية بنكهة اقتصادية بربط الحراك الثقافي بالنشاطات الاقتصادية بأسلوب جديد في تحقيق مفهوم الاقتصاد المعرفي والكلي والمتنوع. ومع كل ما ذكر وما تحقق من علاقات دبلوماسية واقتصادية بين المملكة وفرنسا في هذا العهد الميمون للملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، إلا أن "رؤية المملكة 2030" تضع الإنسان في مرتبة مهمة جدا، من خلال محور المجتمع الحيوي وهو أول المحاور التي وضعتها "الرؤية"، وهنا نقتبس هذه العبارات من "الرؤية": "الثقافة والترفيه من مقومات جودة الحياة، وندرك أن الفرص الثقافية والترفيهية المتوافرة حاليا لا ترتقي إلى تطلعات المواطنين والمقيمين، ولا تتواءم مع الوضع الاقتصادي المزدهر الذي نعيشه؛ سنشجع المستثمرين من الداخل والخارج، ونعقد الشراكات مع شركات الترفيه العالمية، ونخصص الأراضي المناسبة لإقامة المشاريع الثقافية والترفيهية"، انتهى. في عبارات مثل هذه فإن فرنسا هي الأولى عالميا في الثقافة، والفنون، ولهذا فإن الجانب الثقافي سيكون له مساحة أكبر في الحوار، ولهذا وفي زيارة تاريخية لفرنسا جاء اللقاء بين الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي في متحف اللوفر، تجولا بعده في أرجاء المتحف وشاهدا مقتنياته، وهذه رسالة كافية عن نوعية الحوار القائم الآن وأهدافه، فالمملكة تتطلع لأن تصبح مركزا ثقافيا عالميا، ولديها كثير من الإمكانات الجغرافية والإنسانية والحضارية، ولدى فرنسا خبرة وشركات صناعة ثقافية حقيقية، وهناك اتفاقيات في هذا القطاع المهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي