أدوات الدين وشعار تكامل الأعمال

تكامل الأعمال هو الشعار الذي ترفعه الجهات الحكومية اليوم بتنوعها، لقد أثبتت الجهات الحكومية قدرة كبيرة على التنسيق في مواجهة قضايا مهمة جدا ولتحقيق "رؤية المملكة 2030"، ومن ذلك الجهود الضخمة للتنسيق لتحقيق مستويات السعودة والتوطين في عدد من القطاعات، وبالأمس أعلنت وزارة المالية ممثلة بمكتب إدارة الدين العام عن حصولها على موافقة هيئة السوق المالية لإدراج أدوات الدين الحكومية المتمثلة في السندات والصكوك المحلية بالريال السعودي وبدء تداولها في السوق المالية السعودية (تداول). وهذه الخطوة التي اتخذتها وزارة المالية ممثلة في مكتب إدارة الدين العام، تعتبر حدثا مهما جدا في تاريخ الاقتصاد السعودي، فهذه هي المرة الأولى التي يستطيع المستثمرون في السوق المالية تداول الصكوك الحكومية مباشرة، وكما نعرف أن تصنيف الدين الحكومي للمملكة مرتفع ويقترب من تصنيف الخالية من المخاطر، لذا فإن طرح هذه الصكوك للمستثمر يمنح الكثير للمستثمرين الذين يرغبون في عوائد خالية من المخاطر. فإدراج سندات الدين الحكومية يمنح السوق المالية جاذبية استثمارية كبيرة. هنا يظهر لنا التكامل حيث إن سندات الدين الحكومية تعزز الاستثمار في السوق المالية السعودية، وبالتالي جاذبيتها، بينما السوق المالية تمنح وزارة المالية القدرة على الوصول إلى منافذ لتنفيذ خططها فيما يتعلق بالشفافية والافصاحات التي تعزز المنهج الجديد للوزارة وخاصة أن هذه المبادرة تعمل تحت مظلة إشرافية ورقابية تؤمن بالإفصاح للمستثمرين. ويسهم في عدالة تسعير أدوات الدين المدرجة في السوق الثانوية، من خلال تفاعل قوى بين العرض والطلب، ويربط قيمها السوقية بتطورات مستوى أدائها.
وبالعودة إلى تصريحات وزير المالية بهذا الشأن فإن هذه الخطوة من الوزارة ستسهم بشكل واضح في تطوير وتعميق سوق الدين المحلي بشقيه الأولي والثانوي. حيث سيتم إدراج (45) سندا/ صكا في السوق الأولية تزيد على 204 مليارات. وتعميق السوق ليس في حجم الإصدار فقط بل في تنوعه بين سندات تنمية حكومية بقيمة (77) مليار ريال، وسندات حكومية ذات عائد متغير بقيمة (68) مليار ريال، وصكوك حكومية بقيمة (58 مليار ريال)، كما أن التنوع وصل إلى فترة الإصدار حسب كل من الأدوات المدرجة، حيث تم تحديد فترات الاستحقاق لأدوات الدين الحكومية المطروحة بين خمس وسبع وعشر سنوات. فما قامت به وزارة المالية يدعم توجهات السوق المالية وحاجتها إلى تعميق السوق وخاصة في السندات، كما أن طرحا بكل هذا التنوع يحفز الاستثمارات فيه ويسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية وهو ما يحقق كثيرا من مبادرات "رؤية المملكة 2030".
فالتكامل بين مؤسسات الدولة يظهر جليا في التعاون المثمر بين وزارة المالية وهيئة السوق المالية، فهيئة السوق منحت وزارة المالية منصة لتحقيق أهدافها المالية من إصداراتها وأدواتها المالية، ولتحقيق مستويات الشفافية والإفصاح المطلوب وتحت رقابية هذه المنصة التي لها اشتراطات ملزمة لوزارة المالية، كما أن ذلك يحسن من ممارسات وزارة المالية في ترتيبات الإفصاح والشفافية وهو تحد أثبتت الوزارة أنها قادرة على مقابلته. ومنحت وزارة المالية لهيئة السوق المالية فرصة تعميق سوق السندات. وهذه التجربة الثرية يجب أن تستثمر جيدا سواء إعلاميا أو حتى لتشجيع مثل هذا التعاون وخاصة مع المؤسسات الحكومية الأخرى التي تنوي خصخصة بعض خدماتها قريبا.
من المهم الإشارة إلى أن نجاح طرح بحجم سندات وزارة المالية بتنوعها سيعزز من ثقة المستثمرين بقدرة السوق المالية السعودية على النجاح في إصدار شركة أرامكو المرتقب، ومع نجاح هيئة السوق المالية بهذا المستوى فإنها حتما ستنتقل إلى مستويات عالمية كبرى وهدف للاستثمارات العالمية الكبيرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي