المستشار .. والبيئة

أصعب القرارات هي تلك التي تؤثر في مصالح الناس، ولو كانت الأمور بالسهولة التي تراها بعض الشركات والمكاتب الاستشارية لما كان لهما وجود أصلا. تلجأ الجهات العاملة في مجال الخدمات والرقابة والتنظيم إلى الحلول التي تقترحها بعض المكاتب الاستشارية غير مراعية النواحي القانونية والثقافية والأخلاقية المتعلقة بقرارات تمس المواطن وتؤثر في حياته وحقوقه.
المؤكد أن كثيرا من هذه المكاتب تعامل الوضع في كل مكان بالمفاهيم نفسها ومن المنطلقات نفسها، وهذا لا يصح في كثير من الثقافات حول العالم، حتى في الدول المتقدمة هناك ثوابت ومفاهيم لا يمكن نسيانها والتعامل معها وكأنها غير موجودة. يصدق هذا على كثير مما نشاهده اليوم يتكرر من توصيات المستشارين التي لا ترى النور لأنها "على غير يمة".
لكن من المهم أن نلاحظ أنها ليست مجرد "خيبة" من المستشار أن أوصى بما يراه صحيحا ودقيقا 100 في المائة حسب خبراته وعلمه والبيئة التي نشأ فيها. الخطأ الأساس هو من الجهة التي تتعامل مع التوصيات وتنتظرها بفارغ الصبر لتكون وسيلتها للهروب من الواقع الذي ستواجهه إن هي لم تتصرف. الذي يحدث بعد هذا هو واحد من احتمالات كثيرة.
إن أصاب المستشار حظي بالمال والشهرة بين مختلف القطاعات ونال العقود وانطلق يعالج المشكلات بوجهة نظره التي نجحت في مكان ما وبيئة ما ومع مشكلة ما. مع أن هذا لا يضمن نجاحها في التعامل مع مشكلة أخرى لوزارة أخرى في مجال مختلف تماما. عندما تصبح القناعة بالمستشار مسيطرة، قد يعذر عندما يخطئ ويحاول الجميع أن يدافعوا عنه باستخدام ذلك النجاح الذي لا علاقة له بالقضية الجديدة.
ستسوء علاقة المستشار مع الجميع إن هو أخفق، وسيفقد الفرصة للعمل في المستقبل مع جهات أخرى معللين ذلك بالقضية السابقة وفشله فيها حتى ولو كانت سيرته الذاتية تعمي العيون. ننسى جميعا أن الخطأ الأهم ليس خطأ المستشار وإنما خطأ من استشاره ولهذا تبدأ عمليات الترميم للسمعة والقطاع بكليته بعد كل فشل.
أهم نقطة تتعلق بالأمر الذي نتحدث عنه هو الدور المهم الذي يجب أن يلتزم به القطاع بعد أن يكلف المستشار الذي ينبهر بقدراته الجميع. ذلك أن الرقابة المستمرة والإيجازات المتوالية ومراقبة النقاط المهمة milestones والتعديل المستمر المبني على الواقع والتوقعات المنطقية يسمح بعلاقة أكثر نجاحا وجدية وخدمة للقطاع والمواطن والوطن.

المزيد من مقالات الرأي