نحن .. والعمالة المنزلية

ليس هناك أي قدر من المبالغة حين أقول إن الشعب السعودي هو الوحيد بين شعوب العالم الذي يعاني حتى يحصل على سائق أو عاملة منزلية.. فالتكاليف عالية والشروط عجيبة والهروب شبح يزيد من المعاناة بعد انتهاء فترة التجربة الأولى.. قد يأتي من يقول "إن ذلك بسبب سوء المعاملة" ويعزز هذا الادعاء بما ينشر في بعض صحف تصدر في الدول التي يتم الاستقدام منها.. بل حتى في بعض صحفنا أحيانا.. وأقول إن بعض هذه الحالات صحيح ولكنها قليلة وشاذة ومجرمة من مجتمعنا.. لكنها تضخم بقصد أو بغير قصد بفعل الإثارة الصحافية التي تدفع الصحافي أو الصحيفة أحيانا إلى نسيان كل شيء واختيار العنوان الأكثر إثارة حتى ولو كان على حساب سمعة الوطن.. ويقول لي أحد المختصين في مجال حقوق الإنسان إن أول ما يواجهنا في المؤتمرات الدولية ما ينشره إعلامنا من قضايا تستخدم كمستندات ضد بلادنا.. وأعود كما بدأت إلى القول إن حالنا مع العمالة المنزلية ينطبق عليه المثل القائل "المأكول المذموم" فنحن نقدم كل شيء من مبالغ طائلة للاستقدام وانتظار طويل يصل إلى أكثر من ستة أشهر ثم حضور للمطار للاستلام ورواتب عالية مقارنة بدول الخليج الأخرى ثم تبدأ مرحلة التدريب فلا السائق يجيد قيادة السيارة ولا العاملة تعرف أيا من أعمال المنزل حتى مسح الأرضية تحتاج إلى تدريب عليها إلا إذا سمح لها بإطلاق المياه لإغراق ساحات المنزل والشوارع المجاورة وعليك تحمل الغرامات.. ومقابل الحالات النادرة والمستنكرة من الجميع بتأخير المرتب أو عدم توفير المسكن أو المأكل المناسب أو التعامل غير الحسن هناك آلاف بل ملايين من الأسر تعامل عمالتها المنزلية معاملة إسلامية راقية حيث يعتبرونهم كجزء من العائلة سكنا ومأكلا وملبسا.. والمرتبات تدفع مقدما لشهور أو حتى عام أحيانا وقد بنت بعض عوائل المستخدمين في بلدانهم مساكن ومباني للإيجار والاستثمار.. وهم يذكرون ذلك بكل تقدير وشكر.. لكن إعلامنا لا يبرز هذه الحالات والأهم منها الحالات الإنسانية التي ظهرت إحداها منذ أيام حينما ذهب جميع أفراد الأسرة للمطار لوداع عاملة منزلية عاشت معهم 33 عاما وقامت بتربية الأبناء والأحفاد الذين ودعوها بالدموع وبالقبلات على رأسها وبادلتهم المشاعر والدموع والتأثر.. ولم نقرأ أو نشاهد متابعة مفصلة لهذا الحدث وربطه بحالات أخرى مشابهة.. ولو فتح الباب لإبراز مثل هذه الحالات بإشراف من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية التي تتلقى شكاوى سوء المعاملة المزعومة لرجحت الكفة لصالح التعامل الطيب وظهرت الحقيقة التي قصر إعلامنا كثيرا في إظهارها.
وأخيرا: مرة أخرى أقول إن هناك حالات قليلة من سوء المعاملة للعمالة المنزلية وهذه يجب أن تجرم ويعاقب فاعلوها ويمنع هؤلاء من الاستقدام أو الحصول على عمالة من الداخل والأكثر تأثيرا أن يشهر بهم بحكم قضائي حتى يرتدع الآخرون وتنتهي هذه الممارسات التي يرفضها مجتمعنا المحكوم بتعاليم الإسلام التي نصت بكل وضوح على التعامل الحسن مع المستخدمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي