default Author

خجل الأشجار

|

هل فكرت يوما وأنت تلتهم ورقة خس أو تقضم خيارة أو تضغط بكل قوة أسنانك على تفاحة شدك لونها المميز، بمشاعر تلك النباتات والثمار؟ هل سمعت صوت الخيارة وهي تصرخ أو شعرت بالتفاحة وهي تتلوى من الألم بين أسنانك وأنت تقطعها بعضتك ثم تسحقها بين فكيك؟!
قد تعتقد أن ذلك ضرب من الجنون، ولكن الحقيقة أن هذه النباتات بأوراقها وأزهارها وثمارها وحتى أغصانها تشعر وتحس بك وبكل ما حولها، ولكن قد لا يكون تعبيرها بالصراخ من الألم أو الدموع! تلك الأوراق والأغصان لن تستطيع أن تفلت من قبضتك أو مقصك وتهرب بعيدا لقد قدر لها أن تبقى في مكانها وتتألم أو تسعد بكلماتك وحوارك معها كما ذكرت ذلك في مقال سابق.
ألم تشم يوما رائحة العشب عندما يجز أو انبعاث بعض الروائح عندما تجني ثمرة أو تقطف زهرة؟ هذه المواد الكيماوية هي صوت النبات وعصارة مشاعره إنها صرخات تحذير تقول إن مقص المزارع قد اقترب ولكن لا مفر!
كل تلك النباتات من حولك لها مشاعر تحب وتكره وتغضب وتيأس، كما أنها تخجل. من زار شرق آسيا، خصوصا ماليزيا لا بد أنه مر على تلك النبتة التي تحتل مساحات خضراء من جبالهم تجدها تلم أوراقها وتتوارى خجلا عندما تلمسها بيدك لذا يطلقون عليها (النبتة المستحية) ولعل هذا الشعور أو الخجل هو الذي يفسر لنا سر عدم تلامس بعض الأشجار فلو كنت في غابة ورفعت رأسك عاليا ستجد بين تاج كل شجرة وأخرى مسافة؛ فالأوراق والأغصان الطرفية تتجنب ملامسة أوراق وأغصان شجرة أخرى، وهذا التصرف يؤدي إلى تكوين خطوط ومسارات تفصل بين تلك الأشجار ترى من خلالها السماء فتشكل في مجملها لوحة فنية في منتهى الروعة!
اكتشفت هذه الظاهرة عام 1920 حيث عرفت فيما بعد بـ (خجل التاج) لم يكن سبب هذه الظاهرة معروفا، لذا وضعت له عدة فرضيات منها أن الفراغات بين الأشجار تتشكل بفعل هبوب الرياح ما يؤدي إلى تصادم الأشجار وتضرر التيجان، لذلك تتوقف التيجان الطرفية عن النمو لمنع الضرر. وبالفعل قام باحثون بمنع الأشجار من الاصطدام ببعضها أثناء هبوب الرياح، فوجدوا أن التيجان تنمو وتلامس بعضها بعضا!
أما الفرضية الأخرى فتقول إن الأشجار تبتعد عن بعضها بعضا لتمنح نفسها مزيدا من الضوء لأن تلامسها مع الأوراق المجاورة يقلل كمية الضوء الواصلة إليها.
والفرضية الثالثة تقول إن الأشجار تلجأ إلى هذه الخاصية لمنع انتشار الحشرات آكلة الأوراق، فتشكل ما يشبه الخنادق بينها للحد من انتقال اليرقات.
وأيا كان سبب ابتعادها فهو يدل على عظيم صنع الخالق ـــ جل وعلا، لذلك لا تستهين بمشاعر النبات!

إنشرها