أسباب فشل النخبة في التعلم من تجاربها «2 من 2»

تعلم ترمب على ما يبدو من التاريخ أنه عندما تشعر جماعة مهيمنة بالتهديد من التغيرات المحسوبة، ستجد منبعا للعواطف الجماعية السلبية، التي يمكن الاستعانة بها لكسب السلطة السياسية. فكانت العلاقة التي شكلها مع أتباعه قوية بحيث صمدت بسهولة أمام الانتقادات التي كان يواجهها بشكل يومي تقريبا.
على العكس من ذلك، إهمال كلينتون للجانب العاطفي، والعقلية التحليلية التي اتبعتها زادت من تعليقاتها الكارثية. حيث انطوت كلماتها على انعدام تام للتعاطف مع ملايين الأمريكيين من غير النخبة، الأمر الذي استغله ترمب في حملته ببراعة. فلو لم تقع في فخ الاحتراف، لكانت قادرة على إدراك مشاعر الضعف الاقتصادي، والخوف من المستقبل، والغضب من الظلم الاجتماعي الذي يكمن في رهاب الأجانب لعديد من أنصار ترمب، ومن ثم التعاطف معها. لكنها عوضا عن ذلك، أدانت هذا التعصب واعتبرت الأمر لا يستحق التعاطف.
في الوقت نفسه، صبت النخبة اهتمامها على الأشجار بدلا من الغابة، وبذلوا طاقتهم لإثبات أن ترمب كان على خطأ في عديد من الأشياء. وبالنظر إلى تعهد ترمب ببناء جدار بين الولايات المتحدة والمكسيك، ووعده بأن المكسيك ستدفع الثمن. ذكرت وسائل الإعلام الأسباب عن كون الجدار مجرد أحلام "تكاليف باهظة، وما إلى ذلك"، لكن لم يبال أتباع ترمب بذلك. وظلت فكرة "بناء الجدار!" ذات شعبية طوال الحملة.
كما أشار بيتر ثيل في تصريحاته التي تم تداولها كثيرا، إلى أنه لا يجب أن يؤخذ مفهوم الجدار حرفيا. وقد فهم مؤيدو ترمب ذلك على أنه كناية عن تأمين الحماية من المخاطر الاجتماعية والاقتصادية "من منظور أكثر شمولية". فسواء كانت مخاوفهم تلك مبررة أو غير مبررة، فإن الاستعارة بالجدار أعادت إحياء الأمل في مخيلتهم نحو حياة أفضل، تماما كما فعلت الوعود الخلابة التي أطلقتها الحملة الداعمة لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. وبعد حادثة خروج بريطانيا وفوز ترمب، لم تمتلك النخبة المثقفة إجابة عن انجذاب الشعوب نحو جناح اليمين، ما عدا سلة من الإجابات غير المنطقية كرد على ذلك. فإذا ما بقيت النخب تتباهى بتفوقها التحليلي والأخلاقي، فستظل تتلقى اللكمات على طول الخط.
يبدأ إصلاح الخلل في القيادة على المدى الطويل بإصلاح المناهج الدراسية في المدارس المرموقة التي ترتادها غالبية النخب. فقلة من الناس ولدوا ودفعوا لقمع الجانب العاطفي لديهم، وتمت زراعته في نفوسنا. فمع وصولنا إلى مرحلة النضج، يكافئنا النظام التعليمي الحالي على براعتنا في التعامل مع المفاهيم الفكرية الصعبة. ويميل المنهج نحو التدريب التحليلي بشكل كبير. تحقيق التوازن مطلوب بشكل عاجل لمساعدة قادة المستقبل على تجنب الوقوع في فخ الاحتراف. فالتفكير التحليلي مطلوب لكتابة خطة عمل أو القيام بعمل علمي، لكن تحفيز الناس يتطلب عقلية ذات رؤية كلية وتعنى بالجانب العاطفي أيضا.

المزيد من مقالات الرأي