ميزانية 2018 التوسعية .. قراءة وتعليق

هذه ثاني ميزانية وفق "الرؤية" وبرنامج التحول. ومن ضمن برامج التحول ومبادراته تعزيز الشفافية والإفصاح المالي.
وهذه أول ميزانية توسعية بعد انخفاض أسعار النفط قبل ثلاث سنوات. فقد خطط لزيادة الإنفاق من قرابة 900 مليار هذا العام إلى قرابة تريليون ريال للعام المقبل 2018.
حصلت عوامل مشجعة بحمد الله. فأسعار النفط تحسنت وإيرادات الدولة غير النفطية في تزايد نتيجة إصلاحات عديدة بدأت قبل نحو سنة، خلاف عمليات الترشيد ومحاربة الفساد التي ستسهم بذاتها في زيادة إيرادات الدولة غير النفطية، وتزيد من قناعة الناس في تفهمهم للحاجة إلى تنمية الإيرادات غير النفطية وتخفيف الإدمان النفطي.
في إطار الدفع نحو تحسين نمو الاقتصاد، ذكر بيان وزارة المالية أنه جرى تخصيص نحو 32 مليار ريال للصندوقين التنمية العقارية والتنمية الصناعية، كما خصصت عشرات المليارات مبالغ تحفيزية لتحفيز نشاط القطاع الخاص، بما يسهم في نمو الاقتصاد، ودعم القطاع الخاص والأفراد.
رغم ما خصص من دعم للإسكان، لكنه يبقى دون حجم الطلبات على الدعم، وهذا يجر إلى طرح استفسار عن كيفية تحقيق هدف زيادة نسبة التملك زيادة كبيرة وفق معطيات دخول الناس وأسعار العقارات.
جاء في بيان الميزانية هدف الوصول إلى ميزانية متوازنة، أي خالية من العجز تقريبا، بحلول عام 2023. وأرى أن تحقيق هذا الهدف خلال خمس سنوات دون تأثير غير مرغوب فيه في نمو الاقتصاد سيكون صعبا، لكن يمكن أن نقترب من التوازن كأن يكون سقف العجز أي حده الأعلى 15 في المائة من الإيرادات.
من الملاحظ ارتفاع ملحوظ في نسبة الإيرادات غير النفطية ابتداء من العام المقبل 2018 راجع إلى زيادة معتبرة في إيرادات أخرى مثل ضريبة الدخل "تطبق على غير سعوديين" والقيمة المضافة والضريبة على سلع منتقاة ورسوم متنوعة بعضها جديد وبعضها حصلت فيه زيادة معتبرة، وهناك عوائد متحققة من مؤسسة النقد وعوائد أخرى.
في إطار أهداف الشفافية والإفصاح المالي وتخفيف الاعتماد على دخل النفط ودعم النمو الاقتصادي، وتحسين معيشة الناس ونشاط القطاع الخاص، تطرق بيان الميزانية إلى عدة إجراءات وتنظيمات وبرامج ذكرت باقتضاب، منها برنامج الخصخصة وإصلاح وتطوير أداء الحكومة ومراجعة الدعم الحكومي ومستويات الرسوم والغرامات والضريبة المضافة، كما ذكر البيان عمل تحسين في منهج وآليات إدارة أصول الدولة، خاصة تحويله من النظام المحاسبي على الأساس النقدي إلى أساس الاستحقاق.
في إطار الإصلاحات السابقة، جرى إعداد الميزانية وفقا لإحصاءات مالية الحكوميةGovernment Finance Statistics "GFS" 2001 و2014 المعروفين اختصارا لدى أهل الاختصاص بـ GFSM 2001 وGFSM2014.
وميزانية 2018 هي ثاني ميزانية تعد وفقا لدليل إحصاءات مالية الحكومة GFSM 2001 المحدث في 2014، وهو نظام إحصائي تنظيمي تصنيفي متطور من إعداد صندوق النقد الدولي قبل بضعة عشر عاما، مستعينا بخبرات دول متطورة في إعداد ميزانياتها العامة. وسأعطي تفاصل أكثر عنه لاحقا.
رغم الإصلاحات السابقة، فهناك ملحوظتان:
أولا: هناك حاجة إلى إصدار نظام للميزانية.
وثانيا: لا شك أن هناك مشكلة تواجه أهداف الدولة في تطوير تخطيط وتنفيذ الميزانية وسياسات وأداء المالية العامة، وهي النقص الواضح في القدرات الوطنية المهنية. وهنا مقترح تأسيس مؤسسة تعنى بكيفية رفع مهارات وقدرات موظفي المالية العامة.

مزيد توضيح لدليل إحصاءات مالية الحكومة GFSM
كانت ميزانية الدولة تصنف وتعتمد مخصصاتها وفق تصنيفين:
الأول: إداري، أي أجهزة حكومية وفروعها وأقسامها.
الثاني: اقتصادي، الذي اشتهر بأبوابه الأربعة: الأول للرواتب والثاني تحويلات وتعويضات غير الرواتب والثالث للتشغيل والصيانة والرابع للمشاريع. هذا التصنيف قاصر، فيه من العيوب ما فيه. وقد توقف العمل به مع ميزانية 2015 حسب بيان وزارة المالية. وجرى تطبيق دليل إحصاءات مالية الحكومة 2001 ونسخته المحدثة 2014 بدلا من القديم الذي عشنا معه عقودا من الزمن.
وللعلم بدأ منذ عام 2006 التفكير داخل وزارة المالية لتطبيق دليل 2001، وكان كاتب هذا المقال عضوا فعالا في لجنة شكلت عام 2006 بهدف تطبيق دليل 2001، ولكن الطفرة السابقة "وأسبابا أخرى" تسببت في تأخير تطبيق الدليل.

ما قصة دليلي 2001 و2014؟
قامت إدارة الإحصاء في صندوق النقد الدولي عام 2001 بإطلاق نظام إحصائي تحت اسم "دليل إحصاءات مالية الحكومة 2001" The Government Finance Statistics Manual 2001 GFSM وفي الحقيقة نتج هذا الدليل من جهود بذلها عدد كبير من المتخصصين في دول ومنظمات وأقسام أكاديمية مختلفة.
جرى تحديث وتطوير دليل 2001 بما يعرف بدليل إحصاءات مالية الحكومة 2014، لمواكبة أبعاد سلسلة من التطورات والمشكلات في المالية العامة ومعايير المحاسبة الحكومية ونظام الحسابات الوطنية 2008 SNA خلال السنوات التالية لعام 2001.
دليل 2001 عبارة عن إطار معالجة إحصائية statistical reporting framework، لإعطاء أساس متين للتحليل المالي الحكومي fiscal analysis. وهذا الدليل يعد تحديثا واسع النطاق للدليل السابق الصادر من الصندوق عام 1986. التسجيل والتحليل في دليل 1986 مبني على نظام التدفق النقدي المحاسبي.
الطريقة السابقة تبين أنها غير فعالة في إعطاء معلومات عن رسوخ واستمرارية السياسات المالية على المدى البعيد. على سبيل المثال تتجاهل جزءا كبيرا من أعباء مستقبلية على الحكومة، كما أنها تتجاهل كل الصفقات العينية، بما يتسبب في إعطاء أرقام مضللة لقيمة الأنشطة الاقتصادية للحكومة.
هذه التطورات أدت إلى تطوير دليل 2001. ويطمح الصندوق إلى أن يكون هذا الدليل بمنزلة مرجع موحد لكل الأعضاء، ما يسهل على الصندوق الحصول على بيانات إحصائية متوافقة، تساعده عند إجراء دراسات أو مناقشات، خاصة مناقشات المادة الرابعة.
يساعد دليل 2001 والنسخة المحدثة منه 2014 الدول على زيادة قدراتها في تقييم سياسات المالية العامة، ومراقبة تطوراتها، كما أنه يعزز قياس الادخار والاستثمار والاستهلاك الحكومي بطريقة تفوق ما جاء في دليل 1986، ما يساعد على صياغة سياسات الاقتصاد الكلي بصورة أفضل. يحتوي إطار دليل 2001 التحليلي على جداول تماثل القوائم المالية للشركات.

التصنيفات التي تم تبنيها في ميزانيات 2016 و2017 و2018
هناك ثلاثة تصنيفات في التصنيف الجديد للميزانية:
الأول: إداري مشابه للقديم.
الثاني: اقتصادي يتكون من ثلاثة أقسام رئيسة:
1- مصروفات موزعة على ثمانية أبواب:
1- تعويضات العاملين 2-السلع والخدمات 3- استهلاك رأس المال الثابت 4- نفقات التمويل 5- الإعانات 6- المنح 7- المنافع الاجتماعية 8- مصروفات أخرى.
2- معاملات على الأصول غير المالية.
3- المعاملات على الأصول المالية والخصوم.
الثالث: تصنيف وظيفي، ويصنف الوظائف والأهداف الاجتماعية والاقتصادية التي تسعى الأجهزة الحكومية إلى تحقيقها من خلال الإنفاق العام. ويتكون التصنيف الوظيفي من عشرة تصنيفات أساسية: خدمات عامة ودفاع ونظام عام وشؤون اقتصادية وحماية البيئة والإسكان ومعه المرافق والصحة والترفيه والتعليم والحماية الاجتماعية. ويستند هذا التصنيف إلى المستفيد من الإنفاق وليس النفقة نفسها. مثلا تأمين سيارة لنقل الموظف أصبح يصنف ضمن تعويضات العاملين، بينما كان في السابق لا يصنف تحت الباب الأول.
طبعا التصنيف الجديد أكثر شمولا ودقة وتعقيدا، ومن ثم يتطلب فهما أعمق مقارنة بتصنيف الأبواب الأربعة القديم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي