التشخيص الطبي .. يحتاج إلى وقفة جادة

لو سألت أي مسافر للعلاج في الخارج عن سبب السفر، مع أن مستشفيات بلادنا فيها من الأطباء المشهود لهم كل في تخصصه، وأيضا فيها من الأجهزة الحديثة ما يضاهي أشهر مستشفيات العالم، لقال لك: التشخيص الطبي لدينا ضعيف ويدعو للارتباك.. ولو سألته مزيدا لقال: ذهبت إلى مستشفى مشهور ودفعت من المبالغ ما طلب مني.. وبدأت رحلة المعاناة.. كل طبيب يأتي ويدلي برأيه وتحس من كلماته عدم التأكد مما يقول، ثم يلجأ إلى الأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي وجميع أنواع الأشعة ليعود ويؤكد أن تشخيصه الأول غير صحيح.. وكان بالإمكان أن يجري جميع هذه الفحوص منذ البداية، قبل أن يبلغ المريض أن لديه اشتباها بهذا المرض أو ذاك.. وهي من النوع الخطير كالأورام والنزيف والتجلطات.. وبعد هذه المعاناة التي قد تستمر ساعات يصف لك عدة أنواع من الدواء التي تهد جسمك، لأن بعضها ربما يتعارض مع بعض.. وعندما تستقر حالتك وتسافر إلى الخارج تصدم برأي طبي يقول إن التشخيص لم يكن صحيحا، وإن هذه الأدوية جميعها لا لزوم لها.. وتسمع هذا الرأي من طبيب تحس في نبرات صوته التأكد من رأيه على عكس الأقوال المهزوزة التي سمعتها من قبل!!
وبعد هذه المقدمة.. من نلجأ إليه لإجراء وقفة جادة مع وضع التشخيص الطبي في المستشفيات الحكومية والأهلية، لإراحة المرضى بآراء طبية صحيحة، ولإنهاء قناعة سائدة أن العلاج في الخارج أفضل، رغم وجود أمهر الأطباء وأفضل الأجهزة لدينا؟ هل وزارة الصحة هي المسؤولة الوحيدة أم أن هناك جهات أخرى تشاركها المسؤولية؟ حتى تظهر تلك الجهات سنظل نحمل المسؤولية كاملة لوزارة الصحة، فهي التي حملها ولي الأمر مسؤولية رعاية صحة المواطنين، وأول خطوة لتوفير هذه الرعاية، الحصول على تشخيص دقيق لكل طالب علاج.. بحيث يريح المريض ويوفر على الدولة صرف كميات كبيرة من الأدوية وتكاليف علاج في الخارج.. وقد يكون بالإمكان تفادي ذلك لو توافر التشخيص الصحيح والدقيق.. فهل تعقد وزارة الصحة ورش عمل ولقاءات حول "التشخيص الطبي"، بحيث تعد أطباء لديهم قدرة أفضل على التشخيص الطبي، وكيفية إبلاغ المريض بالنتائج بأسلوب مقنع بدل أن يترك الأمر لأطباء لا يملك معظمهم القدرة على تشخيص كل الأمراض، وتأتي استعانتهم بزملائهم الاستشاريين المتخصصين متأخرة، بعد أن يفقد المريض القناعة في أقوالهم، حتى أن بعض المرضى أحيانا لا يوافق على أخذ حقنة أو دواء معين لخوفه من المضاعفات المحتملة.
وأخيرا: التشخيص الطبي الصحيح هو مفتاح رفع مستوى الخدمات الطبية، ومهما صرفت وزارة الصحة من تكاليف على تطوير هذا الجانب يظل صرفا مبررا، فهل نسمع عن عقد أول مؤتمر لفتح هذا الملف الذي ظل مهملا رغم أهميته؟ فكما أن الوقاية خير من العلاج، فإن التشخيص الصحيح هو المدخل إلى العلاج الشافي بإذن الله. أما الاعتماد على تشخيص غير دقيق فيؤدي إلى إرباك المريض وإلى مزيد من التدهور في حالته الصحية والنفسية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي