كيف نصلح الطاقة البشرية؟

تحدثت عن الفساد الاقتصادي في الأسبوع الماضي ولكن مازلت أقول إن حاجتنا للكفاءة قد تتعدى أهمية محاربة الفساد مع أخطاره المعروفة. بل إن التقاطعات بين الفساد وعدم الكفاءة في الإدارة الاقتصادية يعد أمرا سيئا. ما يجمع الفساد بأنواعه مع عدم الكفاءة هو سوء توظيف الطاقة البشرية. بدهيا هناك علاقة بين الكفاءة في المنظومة ودرجة الفساد ولكن أهم عنصر في المنظومة هو الطاقات البشرية. هناك عدة منطلقات تدعو للتركيز على الطاقة البشرية، الأول أن الناس أهم من الماديات، والثاني أن تكلفة العنصر البشري هي الأعلى ماليا والأصعب تعاملا خاصة أن الأغلبية تعمل في القطاع العام، والثالث أن هناك خللا عميقا في سوق العمل يتمثل في ضعف الإنتاجية وقلة المشاركة مقارنة بالدول المشابهة وسهولة الاستقدام وعلاقته بالأجور المنخفضة في أغلب وظائف القطاع الخاص وقلة الاستثمارات في الآلة لتحل مكان اليد العاملة، وأخيرا، ولعله الأكثر تأثيرا في المدى البعيد، خلل السياسة التعليمية. ما أتعامل معه اليوم هو الخلل التعليمي من زاوية اقتصادية أفسدت ليس الطاقة البشرية فقط وإنما كفاءة المنظومة.
في نظري أحد المسببات الرئيسة للفساد ينبع من سوء توظيف الطاقة البشرية وهذا مرتبط عضويا بالتوقعات والممارسة في سلم التعليم. لابد من ذكر أن الغالبية لا تشاطرني الطرح حتى من بعض الأكاديميين والمهتمين بسوق العمل. اقتصاديا لابد من المواءمة بين العرض والطلب ومراعاة مستوى مقبول من الأجور والرغبة في التقدم التقني ورفع الإنتاجية، هذا يتم حين نفعل ما لدينا ونستعين بالوافد حين تكون المصلحة الوطنية واضحة في تكوين رأس المال المعرفي والمادي وليس نظرة تجارية تحددها حسابات الربح والخسارة لتاجر.
التعامل مع الاقتصادي والمالي والعمالي والتعليمي في معادلة واحدة لن يرضي أحدا في المدى القصير ولكن المصلحة الوطنية العارمة والمتمثلة في محاربة الفساد والاستعداد لأخذ القرارات المفصلية أثبتت قدرة قيادية يمكن أن تغير النموذج السائد الذي أثبت قصورا واضحا. كل طرف له علاقة سيقبل جزئيا بالقصور من زاوية ولكن ستجد القليل الذي يقبل بحل شمولي يضغط على الجميع ويفرز بين الناس ويضعهم أمام الحقائق - فرزهم بناء على جهودهم ومواهبهم من ناحية ومتطلبات اقتصاد مختلف من ناحية أخرى. لن نعرف مقدما كل خصائص التركيبة الاقتصادية في المستقبل ولكن من وسائلها وخصائصها قبول نتائج المنافسة والحاجة لمرونة في سوق العمل. ما نعرفه اليوم أن لدى العربي نزعة بالمتاجرة والتسلق تحت عنوان شهادة دون تعليم موثق لاستغلال ما يمكن من الوظيفة العامة. بعض هؤلاء يجد طريقه للنخبة تحت تعليم شبة مزيف وأحيانا مزيف وهذا أشد خطرا من التسريبات المالية. تجربة دول المنطقة خاصة العربية التي سبقتنا لا تبشر بخير إذا استمررنا في النهج نفسه.
الأحرى أن نحصر طلاب الجامعات والبعثات إلى أفضل 40 في المائة والبقية للتعليم الفني والتطبيقي وفصله كليا عن التعليم العالي، وحجز 70 في المائة من مقاعد الكليات العسكرية لخريجي الكليات والمعاهد الفنية، وحصر 70 في المائة من بعثات الدراسات العليا للعلوم المادية والهندسة. ستجد من ينادي مثاليا بإصلاح التعليم بداية بالمراحل الأولى ولكن هذا إما مثالية فوقية أو جهل بالاقتصاد وبالذات توظيف الموارد البشرية والمالية. الجانب الآخر من المعادلة يتطلب تقليص الوافدين لكي يجد المواطن الفرصة وترتفع أجور القطاع الخاص ويجد رجل الأعمال أن للتقنية والإنتاجية طريقا للربحية. علينا جميعا تحمل تبعات التغيير الحقيقي ودفع فاتورة التقدم العميق جماعيا.

المزيد من الرأي