على جانب ندوة الاستثمار .. السلاح

على جانب ندوة الاستثمار في مبادرات المستقبل حضرت ندوة عن الصناعات العسكرية وكان المشاركون من الصناعة حيث تحدث مندوبا شركتين أمريكيتين "نورثروب قرمان وبوينق" وأحد المسؤولين الأستراليين المختصين في الصناعة. اخترت حضور الندوة لسببين، الأول أن لدى المملكة توجها لهذا المجال، والثاني أننا غالبا ما نسعى وراء الصورة الكبيرة للاقتصاد (الاقتصاد الكلي) على حساب أداء القطاعات والشركات (الاقتصاد الجزئي). فصلهما دائماً نسبي وأحيانا جزافي كما أن إدارة الاقتصاد الكلي بكفاءة ضرورية لتهيئة نجاح الشركات ولكن النجاح في الكلي قد لا ينعكس بفعالية على نجاح الجزئي دون معطيات أخرى. لذلك جاء النقاش ثريا في الربط بين الكلي والجزئي من ناحية والدروس التي قد تفيد المملكة إذا أحسنا الاستماع والتفاعل العملي.
بعد تجارب طويلة لهذه الشركات مع عدة دول لفت نظري إصرارهم على القدرات الاستيعابية state capacity في البلد الأكثر جاذبية للاستثمار أكثر من أهمية تطوير المنصة platform - التوجه المنفرد لتطوير صناعة السلاح بمعزل عن تطوير القدرات العامة في البلد كما دللت تجربة أستراليا في تطوير البنية الأساسية في الهندسة والأبحاث والتصاميم وسلسلة الإمداد في الصناعات المعدنية والتعدين والإلكترونيات. ذكروا أن اختيار الشركات للاستثمار يأتي على أثر دراسات متواصلة لكل البلدان الواعدة صناعيا أو تلك التي تشتري السلاح وبالتالي مرشحة لتوجهات تصنيعية كما تسعى المملكة. ينصب اهتمام الشركات على مدى سلامة التعاملات التجارية من حيث التعاقد والشفافية وتوافر الطاقات البشرية خاصة في الهندسة والعلوم الفنية والعلاقة بين الجامعات والمراكز البحثية مع الشركات والقطاعات العامة ذات العلاقة والقدرات الاستيعابية التي منها الروابط الصناعية داخل البلد وعلاقة الصناعة مع مثيلاتها في الدول الأخرى والمرونة في الاقتصاد.
سألتهم عن كيفية تقييم البلدان الواعدة لهم وبرامج التوازن الاقتصادي offset وعن مدى نجاحها في جميع البلدان التي يعملون فيها. كان واضحا أهمية عامل الأمن في نقل تقنية الصناعة العسكرية، ولكن لكثير من هذه الشركات العامل المهم مدى فرص الربحية لعدة أسباب منها أن كثيرا من الصناعات ليست لتصنيع السلاح مباشرة "خاصة أن كثيرا من الصفقات عالميا تتجه من العقود بين الدول إلى عقود بين الشركات"، والآخر أن الشركات لديها المرونة في الدخول في الصناعات كمقاول من الباطن في جزيئات من الصناعة قبل الدخول في السلاح ومنها أيضا أن كثيرا من هذه الشركات مثل "بوينق" تدخل في صناعات مدنية مثل الطيران والفضاء. إجاباتهم عن برامج التوازن لم تكن متوازنة فممثل شركة نورثرن قرمان ذكر أن هذه البرامج عادة لا تنجح وأنها قد تضر أكثر لأنها تركز على المنصة وليس على القدرات بينما مندوب "بوينق" كان أكثر وضوحا حين ذكر أن أغلب البلدان وحتى الولايات الأمريكية المختلفة تطالب بها تحت مسميات مختلفة وذكر مثالا شركة التقنيات المتقدمة في المملكة، على الرغم من تباطؤ الشركة في النمو لأسباب غير معروفة على الرغم من الدعم المبكر. لم يأخذ برنامج التوازن مكانه الصحيح لدينا جزئيا بسبب ضعف القدرات الاستيعابية، وجزئيا لأسباب تخص البرنامج إداريا على مدى سنوات وأدوات متعاقبة.
الخلاصة أن صناعة السلاح في الآخر ثمرة تقدم صناعي يراهن على بناء القدرات الاستيعابية خاصة في النواحي البشرية والتنظيمية والربط مع الشركات العالمية من خلال سلسلة الإمداد وفعالية التعليم العالي في العلوم والهندسة والبحث العلمي. هذا يعيدنا إلى المربع الأول في مدى الحاجة إلى سياسات عامة ناجعة وتعمق في الصناعات بدقة أكثر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي