بيئة العمل في المنظمات المحبطة

عندما نتحدث عن بيئة العمل في المنظمات المحبطة فإن هذا يحتاج منا إلى الوقوف على السلوك التنظيمي لهذه المنظمات ووصفه بدقة بما يحويه من قيم وأعراف وعادات وحوافز وبنية تحتية وغيرها. منسوبو المنظمات المحبطة يشعرون بالكآبة واليأس وهذا يقود إلى قلة الإنتاج وعدم الرغبة في التطوير لأنهم يعيشون في بيئات جامدة لا روح فيها ولا حياة، أشبه ما تكون بقفر أبدي وظلام دامس ينتشر فيها الفساد والأحقاد والضغائن والصراعات. تتصف المنظمات المحبطة بعدم التسامح والرغبة في الانتقام والثأر ويسيطر عليها فكر الانتقام وتصفية الحسابات. بيئات تكره التغيير وتحارب التطوير تقرب المتملق وتبعد المخلص والأمين الصادق. يختزل الموظف في ذهنه كثيرا من الذكريات المريرة وقليلا من الصور المشرقة والذكريات العذبة. لديها من التناقضات والخوف من كل شيء فهي لا ميت فيدفن ولا حي فيرجى بل كائن ليس يفهم.
بيئة العمل في المنظمات المحبطة ينقصها كثير، وتقدم لمن فيها القليل فهي أنظمة مغلقة منطوية عن محيطها والمجتمع فإذا قدر لك وابتليت بالعمل فيها فعليك أن تجيد الكذب والتملق والمجاملات ونقل الكلام ولابد أن تسخر من نفسك وتحيد عن مبادئك إذا أردت أن تعيش وتتعايش مع من حولك. هذه المنظمات لم تقدم أي شيء لمحيطها ولم تكسب ولاء منسوبيها بل عبء على الوجود وجودها. ترى جسور المودة بينها وبين منسوبيها قد دمرت وقنوات التواصل مع من حولها قد قطعت لا تقدم لهم شيئا يستحق الذكر فلا حوافز، ولا ترقيات، ولا تدريب ولا تعليم جيد فقط اللوم وسوء الظن وهذه يقابلها قلة الولاء والأداء.
شخصيات الموظفين في هذه البيئات غير متوازنة يلجأ بعضهم إلى المكيدة وبعضهم الآخر إلى التملق والنفاق فما يقوله الموظف لا يتعدى لسانه ينهج الموظفون هذا السلوك المنحرف لعلهم يغنمون بخارج دوام أو يظفرون بدورة تدريبية لعدة أيام ويظلون على هذه الحالة حتى تصبح عادة يمارسونها خارج بيئة العمل فتجدهم يمارسونها في منازلهم ومع أبنائهم وجيرانهم وكل من له صلة بهم. وعندما تتعدد وتتكاثر البيئات التنظيمية والمنظمات المحبطة فسينعكس على المجتمع برمته فترى مجتمعا جاهلا رغم ما يحملونه من مؤهلات ومنفقا رغم ما يرفعونه من مبادئ ومجتمعا خائفا رغم ما يحيطه من أمان لأن منظماتهم أكسبتهم عادات بالية مقيتة فانعكس كل هذا على سلوكياتهم خارج مقر أعمالهم.
هذه المنظمات المحبطة انحرفت عن أصل وجودها وهو العمل والإنتاج وتحولت إلى منظمات تمارس القمع والاستغلال تأخذ من موظفيها كثيرا ولكنها لا تقدم لهم إلا قليلا تأخذ منهم كل شيء ولا تعطيهم أي شيء، لا مكاتب تشعرهم بالخصوصية ولا نوادي رياضية تفرغ ما بداخلهم ولا اجتماعات دورية تربط النفوس ببعضها ولا أي برنامج تشعرهم بالولاء أو الانتماء، لا شيء إلا الصمت والأسى والظلام. منظمات لسان حالها يقول هي لفلان وفلان وإذا أردت شيئا فلابد أن يرضى عنك فلان أو فلان .. فكيف تنجز، وكيف تعمل، وكيف تتطور؟
هذه المنظمات تحتاج إلى قيادات بمواصفات فريدة تحرك المياه الراكدة وتطرد الفيروسات العابثة وتبني أواصل العلاقات والثقة بين الموظفين والقيادات فهي تمشي بغير هدى فقد ضلت الطريق من زمن طويل عندما ولي الأمر غير أهله فضاعوا وأضاعوا ونشروا الصراعات وحفزوا للعداوات.
المنظمات المحبطة تحتاج إلى قيادات تسمو بها عن التوافه وتحلق بها بعيدا عن الأحقاد وتصفية الحسابات، قيادات أبوية حنونة تتلمس الأذى والضيم وتشعر الموظف بأنها قريبة منه قيادات تتصف بسعة الأفق تنكر مبدأ "أنا ومن ورائي الطوفان"، قيادة متسامحة لا تحمل الحقد وليس من طبعها الغضب.
نقول للمنظمات المحبطة: إلى متى هذا الجمود؟ أين الأمل العذب؟ أين الود؟ أين متعة العمل وروعة الإنتاج؟ أين الإبداع والتألق؟ كيف للموظفين أن يستمتعوا بأوقاتهم خلال ساعات العمل ومنظماتهم تسلب منهم كل شيء وتحاسبهم على كل شيء حتى الابتسامة؟ على هذه المنظمات إن أرادت أن تضيف شيئا للمجتمع الذي توجد فيه والذي يقدم لها فلذات أكباده أن تغير سلوكها التنظيمي وتحاسب كل من يسعر للمكائد والدسائس حتى لا تبقى متأخرة عن الركب خصوصا أنها تمتلك أهم مورد ومحرك للإنتاج وهو الموارد البشرية التي لن تعمل وتبدع دون توظيف وتدريب وتوجيه وتحفيز وكسب ولاء وإعادة الثقة. على المنظمات المحبطة أن تستثمر في مواردها البشرية وتعطيهم بعض ما لديها من أجل أن يعطوها كل ما لديهم.
كأنني أسمع الموظفين في هذه البيئات المتهالكة المحبطة وهم يناجون أنفسهم ويهمسون لبعضهم "لم يهلك مناخنا التنظيمي وبيئة عملنا إلا الأنانيون والمتملقون والمنافقون الذين نعرفهم بسيماهم ونعرفهم في لحن القول". كأنني أسمع الموظفين وهم يرددون: "نريد أن نعود لبعضنا من أجل أن نبني منظمتنا ونشيد مجتمعنا ونغرس عوامل الإنتاج ونحصد ثمرة النجاح".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي