ما خصائص النفط الاقتصادية؟ وماذا تعني؟

يتميز مورد النفط من زاوية النظر الاقتصادي بخصيصتين:
الأولى: التقلبات الحادة في أسعاره، وإيراداته؛ أي أنه يصعب التنبؤ بها. الثانية: كونه موردا غير متجدد.
الخصيصة الأولى لها آثار. أهمها أنه يفترض في الدول النفطية أن تتبنى، في تخطيط ميزانياتها العامة، سياسات تهدف إلى تخفيف حدة تقلبات الإيرادات النفطية، واستقرار الإنفاق العام، في إطار المثل "وفِّر قرشك الأبيض ليومك الأسود". وكانت نصيحة شيخ الاقتصاديين يوسف عليه السلام لملك مصر في هذا المعنى.
أما الخصيصة الثانية فتتطلب مراعاة حقوق الأجيال القادمة.
إذا كان يوسف عليه السلام قد نصح ملك مصر بادخار جزء معتبر من الإنتاج الزراعي، وقت وجود إنتاج له معنى، فإنه في حالتنا مطلوب ادخار جزء معتبر من إيرادات النفط طالما وجد إيرادا له قيمة.
تطبيقا، قامت دول نفطية بإنشاء صناديق نفطية، وهناك دول تفكر في ذلك، وتحمل هذه الصناديق مسميات مختلفة، ولكن العمل واحد: إدارة جزء من دخل النفط، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بادخار جزء من إيرادات النفط، ثم استثماره. وهذا يعني إخراج جزء من الإيرادات النفطية عن تمويل نفقات الميزانية العامة.
يفترض أن تكون صناديق النفط أوعية للاستقرار والتثبيت لتخفيف حدة تقلبات إيرادات النفط، وأوعية للادخار لمراعاة حقوق الأجيال القادمة، ولنكن دقيقين أكثر، حقوق أجيال ما بعد نضوب النفط.
قد تنخفض الأسعار كثيرا دون توقعات الميزانية ومستويات الإنفاق السائدة، أو دون مستويات سابقة، ومن ثم يتكون عجز، وعلاجه في الغالب مزيج من التقشف والاقتراض، وقد حدث ذلك في المملكة خلال سنوات مضت ويحدث الآن. نعرف أن لجوء أي حكومة إلى خفض الإنفاق صعب، ولا يرغبه عموم الناس. وأصل الخطأ رفع الإنفاق بحدة أوقات الطفرة.
الطفرة السابقة انتهت، لكن من المتوقع أن تمر مالية الدولة بطفرة وإن كانت أصغر. مصدر الطفرة المتوقعة الخصخصة، ولا شك أن أموال النفط أسهمت في إنشاء وبناء ما يستهدف للخصخصة. مداخيل الخصخصة ناضبة، فهي تشبه من بعض الوجوه إيرادات النفط.
إنفاق ما يأتي بسهولة سهل، لكن التعامل معه بقدر عال من الفعالية والحكمة والرشاد صعب حقا. وكما يعني المثل "easy comes easy goes"، تجنح الدول والأفراد عند تحقيق مداخيل مالية سريعة غير متوقعة إلى الإنفاق السريع، الذي يضعف معه تطبيق مبادئ الحكمة ورشاد الإنفاق في كثير من الأحيان.
طرحت فكرة وضع صندوق استقرار لموارد الميزانية. يعمل صندوق الاستقرار على تعزيز جانب الإيرادات؛ أي أنه لا علاقة مباشرة له بجانب النفقات.
يرى مختصون في المالية العامة، أن ضبط الإنفاق يأتي عن طريق قيود السيولة liquidity constraint. وتحت هذا القيد، فإن الحكومة قد تلجأ إلى الاقتراض حتى مع وجود الفائض، لكن يفترض أن ذلك ممكن السماح بحدوثه إذا كان الصندوق يحقق دخلا صافيا، بعد استبعاد ما يعادل خدمة الدين العام.
الأخطاء في توقعات أسعار النفط كثيرة، وانحرافها المعياري كبير، وظروف الدول النفطية متفاوتة.
قد تتزايد وتتراكم الفوائض مع مرور السنين، وقد تستنفد كلها أو معظمها خلال سنوات قليلة.
أنشئت صناديق سيادية نفطية في عدد من الدول النفطية. وتفاوتت هذه الصناديق في بنائها المؤسسي وسياساتها وقواعدها التشغيلية. وسأتطرق باختصار إلى تجربة النرويج، حيث ينظر إليها كثيرون على أنها الأكثر نجاحا.
تعد النرويج إحدى الدول الرئيسة في تصدير النفط، وقد أسست صندوقا نفطيا عام 1990. ويعمل الصندوق على تكوين احتياطيات مالية، عند وجود فائض في الميزانية العامة، ويعتمد هذا الفائض على أسعار النفط، وقدر العجز غير النفطي، ويجري تقدير هذا الفائض عند إعداد الميزانية. والهدف من تلك الاحتياطيات دعم مركز مالي عام قابل للاستدامة على المدى البعيد. ويستفاد من هذه الاحتياطيات عند انخفاض إيرادات النفط والإيرادات العامة، و/أو ارتفاع النفقات الاجتماعية، ما يسهم في إحداث توازن أكبر في استغلال موارد النفط بين الجيل الحالي والأجيال القادمة.
تضع الحكومة القواعد العامة لإدارة أصول الصندوق الاستثمارية، مع وجود قدر كبير من المرونة.
كيف يعمل الصندوق النرويجي؟ ما محاسنه وعيوبه؟ موضوع طويل.

المزيد من الرأي