الترابط بين "رؤية المملكة" وبرامج تحقيقها

التخطيط الاستراتيجي مفهوم معقد، وكثير من المؤسسات على جميع الأحجام بل حتى كثير من الدول تفشل في التحول من مستوى إلى مستوى في التخطيط الاستراتيجي، أو تفشل في تحديد أهمية وضرورة وأولوية كل مستوى، لكن من الواضح أن التخطيط الاستراتيجي لـ "رؤية المملكة 2030" يمر بمستوياته الضرورية وبكل هدوء وتصير، فبعد أن تم تدشين الرؤية الاقتصادية للمملكة التي تركزت على ثلاثة محاور أساسية هي مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر ووطن طموح، وفي كل محور قضايا استراتيجية مهمة، تأتي الخطوة التالية في برامج واضحة قابلة للتنفيذ ينبثق منها خطط تشغيلية واقعية ورقابة على مؤشرات التنفيذ، فالتخطيط الاستراتجي الكفء لا يقف عند وضع رؤى وبناء أحلام "وهو الفخ الذي تقع فيه المؤسسات المختلفة" بل يجب أن تتحول هذه الرؤى والأحلام إلى برامج عمل، بمعنى أقطاب رئيسية ومرجعية في البناء والتنفيذ خلال السنوات المقبلة. وهذا هو المسار الذي مضى عليه مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية فبعد أن أطلقت المملكة برنامجي التوازن المالي والتحول الوطني 2020، أطلقت بالأمس عشرة برامج جديدة، بهذا يكون عدد البرامج التي انطلقت لتحقيق "رؤية المملكة 2030"، 12 برنامجا، وبينما يمكن تصنيف برنامج التوازن المالي إلى محور الوطن الطموح والحكومة المسؤولة في الرؤية، فإنه يصعب تصنيف البرامج الأخرى بهذا الوضوح، في هذا المقال قراءة سريعة لهذه البرامج وربطها بمحاور الرؤية لنتأكد بأن التخطيط الاستراتجي في مشروع الرؤية يسير بوضوح تام.
يأتي برنامج الإسكان كأحد أهم محاور تحقيق رؤيتنا في المجتمع الحيوي، فالبرنامح يسعى إلى توفير حياة كريمة للأسر السعودية من خلال تمكينھم من تملك منازل مع الأخذ في الاعتبار قدراتھم المالية، ويأتي برنامج خدمة ضيوف الرحمن كأحد برامج المحورية لتعزيز دور المملكة الذي تشرفت به من خدمة الحرمين وحجاج بيت الله، ورغم تأثير هذا المحور اقتصاديا من حث توفير فرص عمل للشباب السعودي إلا أنه من الصعب تصنيفه على أحد المحاور بشكل أساسي، لكن مما يتضح من قراءة هذا البرنامج من حيث إنه يعمل على إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من المسلمين من أداء فريضة الحج والعمرة والزيارة على أكمل وجه، فإنه يمكن تصنيفه على أساس محور الوطن الطموح الذي لديه حكومة فاعلة، فهي تهتم بالمواطن والزائر وتخدم الحرمين الشريفين وترعى حجاج بيت الله. يأتي بعد ذلك برنامج تحسين نمط الحياة، وهذا أيضا من البرامج التي تمس محور المجتمع الحيوي مباشرة، لكن لها علاقة بقضية المواطن المسؤول في محور الوطن الطموح، فتحسين نمط حياة الفرد من خلال تهيئة البيئة اللازمة تحتاج إلى مشاركة المواطن والمقيم في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية والأنماط الأخرى الملائمة وهذا يتطلب منا أن نكون (كمواطنين ومقيمين) عند مستوى المسؤولية الملقاة على عاقتنا من أجل نجاح برامج الرؤية، فالوقوف في صف النقاد ومن كراسي المشاهدين في انتظار ما تجود به الدولة من تحسين وتغيير عمل لا يحقق مسؤولية المواطن في تحقيق الرؤية المنشودة، وكما أشار ولي ولي العهد الأمير سلمان في العديد من المقابلات انه الشعب السعودي إلى إذا أراد التغيير فليس له سقف سوى عنان السماء، لكن الشرطية في كلام الأمير تدل على مسؤولية المواطن تجاه ما يحدث من تطوير ومسؤولية كبرى في المشاركة الدعم. هذا البرنامج يرتبط تماما ببرنامج تعزيز الشخصية السعودية، وهو أيضا من قضايا المواطن المسؤول فلابد من تنمية وتعزيز الهوية الوطنية للأفراد وإرسائھا على القيم الإسلامية والوطنية وتحفيز الأفراد نحو النجاح والتفاؤل، وهنا يأتي دور واضح للإعلام بكل تفاصيله خاصة الإعلام المعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي، فالحسين المنشود مرتبط بمسؤولية الإنسان السعودي ومن يقيم وينعم بخيرات هذه البلاد نحو تعزز القيم الإسلامية وعدم نشر ما يخالف ذلك والحفاظ على حقوق الآخرين ومنع تداول كل ما شأن الإساءة إلى هذه البلاد أو قادتها أو أصغر مواطن فيها فالمسلمين يجير عليهم أدناهم.
برنامج ريادة الشركات الوطنية وبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية وبرنامج تطوير القطاع المالي وبرنامج التخصيص، جميعها برامج تصب في محور الاقتصاد المزدهر ومن قاضياه التي تمس التخصيص والفرص المثمرة ودعم المنشآت الصغيرة، وكلها برامج تهتم بتحفيز القطاع الخاص ومنحه مجال أوسع بحرية أكثر وتقليل اعتماد القطاع الخاص نفسه على الدولة كمشترى صاف. فالأصل في الاقتصاد الناضج أن المشترى الصافي هم العمال العاملين في القطاع الخاص المنتج نفسه، فقدرتهم على الإنتاج تتعادل مع قدرتهم على الشراء وبالتالي يحقق الاقتصاد توازنه المنشود، فهذه البرامج تعمل على تحفيز أكثر من 100 شركة وطنية لديھا فرص واعدة في الريادة الإقليمية والعالمية وتنمية والمحتوى المحلي في جميع هذه الصناعات المنشودة من بينها صناعة الطاقة المتجددة، والصناعات العسكرية، بحيث يتحقق لنا اقتصاد يعتمد على ذاته وبالتالي يحقق وفورات عامة تمكنه من تعزيز الصادرات وإيجاد نقد أجنبي بعيدا عن الاعتماد على النفط، وهذا يتطلب تطوير سوق ناضجة وأكثر تأهيلا وما حدث بالأمس القريب من اندماجات بين البنوك يشير إلى مسار واضح لدعم رؤوس الأموال في هذه البنوك حتى تتمكن من أداء مهامها الاقتصادية على أكمل وجه، كما يتطلب الأمر تطوير السوق المالية ونحن نسير في هذا المسار ولكن القضية هناك تحتاج إلى مراجعة سريعة، فأحد أهم الأهداف المنشودة من هذه البرامج جميعا هو الوصول إلى أن يصبح سوق المال السعودي السوق الرئيسة في الشرق الأوسط وأحد أهم عشر أسواق عالمية.
يأتي برنامج صندوق الاستثمارات العامة، كبرنامج يصنف على أساس أكثر من محور، فهو ذو علاقة واضحة بوطن الطموح الذي لديه حوكمة فاعلة، كما انه محرك رئيس من خلال استثماراته في تطوير قطاعات اقتصادية استراتيجية في المملكة ما يعزز التنوع الاقتصادي كما أنه ومن بالتزامن مع برنامج الشراكات الاستراتيجية ستسهمان معا في تعميق أثر ودور المملكة في المشهدين الإقليمي والعالمي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي