Author

ديوان المظالم .. وإعادة الهيكلة

|

مشروع تطوير القضاء مشروع ضخم تميز بإنشاء محاكم متخصصة، منها الجزائية والأحوال الشخصية، وقريبا ستبدأ المحاكم التجارية عملها ربما مع بداية العام الهجري المقبل 1439هـ، وفي الوقت نفسه سيكون ديوان المظالم قضاء إداريا فقط؛ وهو بحد ذاته عبء كبير نسأل الله للقائمين على القضاء التوفيق في أعمالهم. وإذا نظرنا إلى ديوان المظالم نجد أن إعادة هيكلة السلطة القضائية بجانبيها القضاء العام والقضاء الإداري أدت إلى ضرورة إعادة هيكلة ديوان المظالم الذي يتكون من محاكم إدارية فقط، ولذا فقد أصدر الشيخ الدكتور خالد بن محمد اليوسف، رئيس ديوان المظالم رئيس مجلس القضاء الإداري، قرارا تنفيذيا ببدء العمل بالهيكل التنظيمي والدليل التنظيمي لديوان المظالم ومحاكمه ومجلس القضاء الإداري، وذلك بعد صدور أمرٍ ملكي كريم بالموافقة على ذلك.
هذه الهيكلة التنظيمية جاءت متسقة مع متطلبات المرحلة الحالية لعمل ديوان المظالم وفق المعتمدة من المقام السامي، التي سارت على نهجها خطته الاستراتيجية 2020، حيث اشتملت على وجود نائب رئيس ديوان المظالم للشؤون القضائية، ونائب رئيس ديوان المظالم للشؤون التنفيذية، كما شملت الهيكلة ارتباط مكتب الشؤون الفنية بمكتب رئيس ديوان المظالم مباشرة، وكذا مركز دعم القرار وإدارة المراجعة الداخلية وربط الهيكل التنظيمي دائرة التأديب بمجلس القضاء الإداري، إضافة إلى الأمانة العامة للمجلس وما يرتبط بها من إدارة شؤون المجلس وإدارة اللجان، كما ترتبط إدارة التفتيش القضائي برئيس مجلس القضاء الإداري.
لقد تضمنت المادة الأولى من نظام ديوان المظالم أن: "ديوان المظالم هيئة قضاء إداري مستقلة" وبناء عليه حدد المنظم الاختصاصات المنوطة بمحاكمه؛ فذكر في المادة الـ 13 أن المحاكم الإدارية تختص بالفصل في الدعاوى المتعلقة بالحقوق المقررة في نظم الخدمة المدنية والعسكرية والتقاعد لموظفي ومستخدمي الحكومة والأجهزة ذوات الشخصية المعنوية العامة المستقلة أو ورثتهم والمستحقين عنهم.
وكذلك تختص بالفصل في دعاوى إلغاء القرارات الإدارية النهائية التي يقدمها ذوو الشأن، متى كان مرجع الطعن عدم الاختصاص، أو وجود عيب في الشكل، أو عيب في السبب، أو مخالفة النظم واللوائح، أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها، أو إساءة استعمال السلطة، بما في ذلك القرارات التأديبية، والقرارات التي تصدرها اللجان شبه القضائية والمجالس التأديبية. وكذلك القرارات التي تصدرها جمعيات النفع العام وما في حكمها المتصلة بنشاطاتها.
ويعد في حكم القرار الإداري رفض جهة الإدارة أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه طبقا للأنظمة واللوائح. إضافة إلى دعاوى التعويض التي قدمها ذوو الشأن عن قرارات أو أعمال جهة الإدارة، وكذلك الدعاوى المتعلقة بالعقود التي تكون جهة الإدارة طرفا فيها، إضافة إلى الدعاوى التأديبية التي ترفعها الجهة المختصة، وطلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية وأحكام المحكمين الأجنبية.
إن الترتيبات القضائية حققت إنجازات كبيرة في السلطة القضائية بجانبيها العام والإداري وهي لا تزال قيد التنفيذ، وإن ما يمكن أن يستوقفنا هو ذلك التنسيق الرفيع والمهني الدقيق بين وزارة العدل وديوان المظالم، حيث تتم خطوات العمل بشكل مرتب يعكس استيعاب المسؤولين لمرحلة تطوير القضاء وأهمية هذا المشروع الوطني الضخم في تحقيق الرؤى والاستراتيجيات في المملكة مع التوظيف والتدريب والاستخدام الأمثل للتقنية الحديثة والحرص على أن تكون خطوات العمل متوافقة مع المتغيرات التي تجري في الحياة اليومية ومحققة لطموحات القيادة الرشيدة والمواطنين والمقيمين في بلاد الحرمين الشريفين.
لقد بين النظام الأساسي للحكم أن القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية، كما أن حق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين في المملكة، وتطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية، وفقا لما دل عليه الكتاب والسنة، وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة.
وهذا النهج الذي سارت عليه الدولة في ترتيب أعمال السلطة القضائية يؤكد أن المملكة لم تقلد أحدا في أعمال سلطة الدولة القضائية، بل نهجت في ذلك منهج السلف الصالح، حيث تقوم دعائم الدولة الإسلامية على العدل والإنصاف والاقتباس من هدي القرآن الكريم وسنة رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم. وإذا نظرنا إلى ديوان المظالم نجد أن القضاء الإداري عرفه المسلمون منذ صدر الإسلام، وكان الخلفاء الراشدون ومن تبعهم يخصصون يوما لقضاء المظالم ويتولون بأنفسهم تنفيذ أحكامه. وإن مما نفتخر به حرص ولاة الأمر - حفظهم الله - على أن يكون لبلاد الحرمين الشريفين تميزها في الجمع بين الأصالة والثوابت مع المعاصرة والتحديث في الأخذ بالقضاء الإداري وتفعيل دوره في المجتمع منذ قيام هذه الدولة المباركة وحتى يومنا هذا.

إنشرها