«حساب المواطن» .. وزيادة كفاءة الدعم للمجتمع

ميزانية المملكة لهذا العام حملت مجموعة من البرامج التي تهدف إلى كفاءة توظيف الدعم الذي يستهدف المواطن، كما هو معلوم أن سياسة الدعم في السابق كانت عامة بغرض تخفيف العبء عن المواطن، من خلال تحمل الدولة جزءا من تكلفة مجموعة من السلع والخدمات الضرورية، حتى أنه مع استمرار التضخم في الأسعار والخدمات أصبحت هذه التكلفة تتزايد إلى أن أصبحت تصل إلى ما يزيد على ربع الميزانية المخصصة للدولة مع الوقت.
سياسة الدعم وإن كان لها دور في تخفيف الأعباء على المواطن إلا أنها مع الوقت أصبح عائدها على المواطن محدودا مقارنة بحجم ما ينفق، حيث إنه يستفيد منه فئات كثيرة غير مقصودة بالدعم مثل القطاعات التجارية وغير المواطنين، كما أن هذا الدعم لم يكن خاصا بحجم احتياج الفرد في الظروف الاعتيادية، حيث يشمل إنفاق الفرد المبالغ فيه، إذ يتفاوت الأفراد في حجم إنفاقهم على السلع والخدمات التي تحصل على الدعم، كما أنه لم يراع فيه التفاوت في مستوى الدخل بين المواطنين، الذي يعد المعيار الجديد لتحديد ما يستحقه المواطن من الدعم.
سياسة الدعم عموما للسلع والخدمات إجراء متبع في بعض دول العالم يهدف إلى تخفيف الأعباء عن المواطنين خصوصا في السلع الضرورية التي غالبا ما يحتاج إليها المجتمع، ولكن في ظل وجود مجموعة من العوامل، في حالة المملكة، من المهم تجويد إجراءات إيصال الدعم للمواطن بما يحقق الهدف منه، ويساعد المواطن على توظيف الدعم بصورة أفضل، حيث إن حصوله على الدعم النقدي يمكن أن يكون له دور في تشجيع المواطن على الترشيد في الإنفاق والاستفادة من هذا النقد، حيث إن وجود هذا النقد في حسابه لا يعني أنه مطالب بإنفاقه على سلع وخدمات محددة بل قد يسعى إلى تخفيف مصاريفه لادخار جزء من هذا الدعم.
من خلال استقراء لمجموع ما نشر عن حساب المواطن فإنه لم يأت بتفاصيل، على أن تعلن هذه التفاصيل لاحقا، ولعل في هذه فرصة لتقديم مجموعة من الأفكار التي يمكن أن تعزز من كفاءة الدعم، ومنها:
من المهم أن يشمل الدعم جميع المواطنين بصور مختلفة، حيث إن المواطن باعتباره مواطنا في هذا البلد المعطاء يعد له ميزة. وهنا تأتي أهمية النظر في الطريقة المناسبة لأن يشعر جميع المواطنين بأنهم مقصودون بهذا الدعم من خلال خدمات مباشرة وغير مباشرة، حيث إن المواطن الذي لا يستفيد بصورة مباشرة من الدعم النقدي من المهم أن يلمس تحسنا في الخدمات الخاصة به مثل الخدمات التعليمية والصحية وأن تبقى مجانية، حيث إن تحسن هذه الخدمات بالنسبة له سيكون له أثره، وقد أعلنت الميزانية مجموعة من المشاريع في قطاع التعليم والصحة، وتحسن هذه الخدمات وسهولة الوصول لها يعد أحد أهم صور الدعم للمواطنين بمختلف شرائحهم.
إن الدعم النقدي ينبغي ألا يثني المواطن عن العمل لتحسين حالته المادية، حيث إن الدعم النقدي قد يؤثر في قرارات البعض في القبول بمستوى الدخل الذي يحصل عليه، وبالتالي يسعى ويجتهد إلى البحث عن فرص أفضل لتحسين مستوى الدخل، وهنا تأتي أهمية أن تراجع الأنظمة التي تمنع الموظف الحكومي من العمل ولو بدوام جزئي، خصوصا مع حاجة المجتمع إلى زيادة إنتاجيته والاستغناء قدر الإمكان عن القوى العاملة الأجنبية، إضافة إلى زيادة كفاءة ودخل وإنتاجية القوى العاملة الوطنية. وفي هذا المقام نستحضر حديثا للنبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ عندما سأله رجلان من الصدقة فقال: "إن شئتما أعطيتكما، ولكن لا حظ فيها لا غني ولا لقوي مكتسب". ومع وجود الفارق بين الحالة في الحديث وحالة حساب المواطن، إلا أن من المهم أن تكون معاملة العاجز والأرملة مثلا معاملة مختلفة تماما عن غيرهما من المستحقين الذين يمكن لهم أن يحسنوا ظروفهم المعيشية.
من الأمور التي يقترح أخذها بعين الاعتبار عدم وجود مبالغة في استقصاء مجموع دخل الأسرة من خلال البحث بكل الطرق عن حجم دخل الأسرة الشهري أو السنوي بما يعقد إجراءات حصول المواطن على الدعم، فدخل الزوجة قد لا تستفيد منه الأسر فعليا في الإنفاق على السلع والخدمات.
الخلاصة أن حساب المواطن قد يكون أحد أفضل الطرق في توظيف الدعم الخاص بالمواطن، إلا أن الاعتماد على مستوى الدخل في الاستحقاق ينبغي ألا يحرم باقي المواطنين من الشعور بوجود عناية بهم من خلال تحسين الخدمات الخاصة بهم، كما أن من المهم ألا يكون هذا الدعم سببا في تكاسل البعض عن تحسين ظروفهم المالية وزيادة إنتاجية القوى العاملة الوطنية، كما يقترح عدم المبالغة في البحث عن مصادر الكسب الأخرى التي قد تحرم بعض المواطنين من الحصول على الدعم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي